وقعت تحت نظر رشا مفكَّرة سبق لي أن دوَّنت فيها عن شخصيَّات عرفتها في اليابان لمَّا كنت على رأس عملي في السفارة في طوكيو. ولاحظت بنظرها الثاقب أنَّني وضعت خطًّا تحت اسم الدكتورة ثريَّا عبيد. وكحبِّها الاستطلاع، سألت عن هذه الشخصيَّة التي مَيَّزْتها من الآخرين بوضع خطٍّ تحت اسمها؟ أجبتها بأنَّها الرائدة السعوديَّة التي شغلت مناصب دوليَّة رفيعة، كان آخرها منصب نائب الأمين العام للأمم المتَّحدة، رئيس صندوق التنمية والإسكان الذي تركته قبل أشهر قليلة لبلوغها سنَّ الراحة من العمل الرسمي. كانت من أوائل من قصدن القاهرة – يومها كانت القاهرة أمَّ الدنيا- بصحبة والدها الفاضل السيِّد أحمد عبيد، وعلى نفقته الشخصيَّة، للتحصيل العلمي العصري الذي لم يكن متوفِّرًا لبنات جنسها وجنسيَّتها في المملكة. هناك بزغ نجمها، فخطفتها الجامعات الأمريكيَّة لتكمل تعليمها العالي. سعدت بلقائها مرَّات عديدة في طوكيو وهي تتابع مهمَّتها الإنسانيَّة مع الجهات الرسميَّة لتخفِّف من معاناة الفقراء والمحرومين حيثما وجدوا فوق كوكب هذه الأرض. وسمعت من الثناء والتقدير عنها ما رفع رأسي عاليًا، معتزًّا بما حقَّقته المرأة السعوديَّة من مكانة مميَّزة على مستوى العالم. ومترحِّمًا على المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز لفتحه أبواب التعليم للطالبات، وتولَّي المغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، آنذاك وزير المعارف، بمساواتهن بالمتفوقين من الطلبة لتلقِّي العلم خارج المملكة لينهلن أيضًا من الجامعات التي خَرَّجَتْ للعالم عباقرة المال والسياسة والاقتصاد والعلوم والفنون والاجتماع. وعلى النهج ذاته في تعليم الجنسين، يمضي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. ولدينا من السعوديَّات اليوم عشرات الألوف ممَّن يتابعن الدراسات العليات خارج المملكة. سألت رشا عمَّن أتذكَّر من المتفوِّقات منهنَّ على مستوى العالم، فوجدتها فرصة لإشغالها بالبحث عن ضالَّتها عبر الإنترنت، فالأسماء اللامعة لا يُغْفِلها الإعلام أو المواقع العلميَّة والثقافيَّة. عادت اليوم، وابتسامة عريضة على وجهها، وقائمة بيدها تحمل الأسماء التي راقت لها، فهنَّ كما قالت لي كثيرات. وتمنَّت أن تحصل على فرصة مماثلة لما تحصل عليه طالبة العلم السعوديَّة من تكفُّل حكومتها بأجور السفر مع مرافق، ورسوم الدراسة وتكلفة الأبحاث، إضافة إلى مخصَّص شهريِّ يمكِّنها من حياة كريمة. أخذت تقرأ ما في ورقتها من الأسماء: البروفيسور حياة سندي، الأفضل من بين 15 عالمًا في العالم يُنتظر أن يغيِّروا من وجه الأرض عن طريق أبحاثهم ومبتكراتهم العلميَّة في شتَّى المجالات. فالبروفيسور غادة المطيري التي تترأَّس مركز أبحاث في جامعة كاليفورنيا، وحاملة أرفع جائزة للبحث العلمي في أميركا على اختراعها الذي وصفته بقولها: التقنية الجديدة التي توصَّلت إليها، تصلح بديلاً من العمليَّات الجراحيَّة في علاج بعض الأورام السرطانيَّة دون تدخُّل جراحي، أو تقنية لإدخال العلاج لمرضى السرطان." فالبروفيسور هويدا القثامي، حاملة وسام الملك فيصل من الدرجة الرابعة والاستشاريَّة الأولى في جراحة القلب للأطفال في الشرق الأوسط، والثانية على مستوى العالم. فالبروفيسور ثريَّا التركي، الأستاذة في الجامعة الأميركيَّة في القاهرة التي حاضرت في عدَّة جامعات منها جامعة هارفارد وجامعة لوس أنجلس وجامعة جورج واشنطن وجامعة الملك عبد العزيز في جدَّة وجامعة الملك سعود في الرياض وجامعة لبنان، وحاليًّا الجامعة الأميركيَّة في القاهرة. فالبروفيسور إيمان المطيري التي تخلَّت عن مقعدها التدريسي في جامعة الملك فيصل، وهي في الثالثة والعشرين لتحلِّق خلف حلمها الكبير، ولتصنع تفوُّقًا في كبرى الجامعات مثل (برستول) و(هارفارد)، لتنال الأستاذيَّة في علم "الجينات" وصولاً إلى مراكز قياديَّة في شركة عالميَّة لإجراء الأبحاث الحيويَّة في شيكاغو. فالبروفيسور فاتن عبد الرحمن خورشيد، أستاذ مشارك في قسم الأحياء الطبيَّة في كليَّة الطب والعلوم الطبيَّة، ومشرفة على كرسي "الزامل العلمي" لأبحاث السرطان في جامعة الملك عبد العزيز في جدَّة. وبنبرة فيها من الاعتزاز أكثر من الانبهار، أضافت رشا: هناك كثيرات وكثيرات لو عرف عنهنَّ إعلامنا الغربي، لصحَّح صورته عن بلدكم، وثَمَّنَ بتقدير عالٍ الإصلاحات الرائعة التي تشهدها مملكتكم حاليًّا في عهد الملك عبد الله لتمكين المرأة السعوديَّة من نيل حقوقها في الدراسة والعمل والتنقُّل بأمن وأمان. شكرتُ رشا على استجابتها لطلبي في الرجوع إلى الإنترنت، وقلت في سرِّي: لو أنَّ قومي يعلمون!