كنا في طفولتنا الباكرة نتغنى بهذه الأغنية, فالطائف تمثل المدينة الحالمة للجنوبيين ، ليس فقط بمزاياها الطبيعية والمناخية بل بما تشهده من مدنية مقارنة بالقرى التي كنا نعيش بها . ولذا كان السفر إليها ذلك الوقت حلم يراود الكثيرين من أطفال القرى .... وحين وقفت السيارة الصفراء "البيجو" أمام منزلنا .. لتنقل عدد من الركاب تماهت الفرحة وحلقت ورود السعادة إذ أنني سأحظى بمشاهدة الطائف وسأحكي لأقراني مشاهداتي وانطباعاتي بدءَ بالبسكيلتة "الدراجة" مروراً بالمطاعم ، ولوحات النيون ، والمباني الحدائق, التميس الطائفي ، المعصوب. مسافة الطريق إلى الطائف طويلة ومتعبة ، الطريق غير معبد ، تسير المركبة ببطء .. بسبب حالة الطريق ... صعوداً إلى جبل أو هبوطاً إلى وادي ، مررنا ببلاد زهران ... وحطت بنا السيارة ليتزود الركاب بالماء والغداء من دكان صغير في الأطاولة حاضرة شمال زهران لتواصل السير ... عبر أودية ، وجبوب قاطعين الخبت ... عرفتها فيما بعد بغزايل, على مقربة من مدينة الطائف و بعد سفر شاق وطويل استقرت السيارة على لوح أسود هو الإسفلت,ليخف أعباء السفر ليمنح الفرصة لأحد الركاب ليتغنى بالأغنية الشهيرة عن الطائف جينا من الطائف ..... والطائف رخا والساقية تسقي ياسما سما والفرد أبو ستة .... ما رد السلام نازل من المكتب والساعة ذهب ليشارك البعض الغناء فيما مكثت مندهشاً ومشاركاً أيضاً وبعد سويعات ... أطلت المدينة كوجه حسناء ، منازل خرسانية بيضاء ... شوارع فسيحة رئيسية وأخرى فرعية ، رجال المرور يطلقون صفارتهم بين الحين والآخر ،الطائف هي المحطة الحجازية الأولى التي تستقبل بعض الجنوبيين .... لنطرح أجسادنا على أسرة مجدولة في مقهى "صالح بن إبراهيم" أكثر شيء أثارني صندوق معدني صغير, وُضع بعناية فائقة في ركن المقهى مغطى بقطعة قماش ، ليزيح العامل قطعة القماش من على التلفزيون بعد صلاة المغرب مباشرة لتظهر صور مضيئة ومدهشة ، شدتني أفلام كرتون، وغيرها من البرامج والأفلام ونشرة الأخبار ... يصاحب ذلك سماع صوت جهوري بين الحين والآخر ، يطلقه العامل براد اسود براد أبو أربعة ليمشط المقهى مجيئاً ورواحاً, محدثة فناجين الشاي أزيزا وهي مكبوبة على وجهها في صحن معدني صغير. كنت مرابطاً مع أشقائي وأبناء عمومتي ليتم التخطيط لزيارة البلد وهي المنطقة القريبة من مسجد ابن عباس . حيث تعج بالناس ، والمحلات التجارية ، الملابس الزاهية ، كانت جولة ممتعة ، مشاهدات عجيبة وغريبة ، لم أعهدها في قريتي السروية الصغيرة . لنختتم الجولة بالذهاب إلى السينما ... الطائف وقتها كانت مليئة بالأماكن التي تعرض بعض الأفلام المتنوعة وأظن أن الأندية الرياضية هي التي كانت تملك هذه الصلاحية وليس هناك من غضاضة في قطع تذكرة الدخول ... ومشاهدة الأفلام والتي تتشابه والأفلام التي تعرض حالياً في بعض القنوات العربية . الفيلم الذي حظيت بمشاهدته وقتها قصة الحب العذري بين قيس وليلى وأضنه فلما باكستانيا أو هنديا كان مترجماً ومؤثراً ... خرج الكثيرون يتأوهون وكأن ثمة شي أصابهم ربما من صبابة الحب!!... وقائع الفلم وأحداثه مازالت راسخة في ذهني إلى الآن ... مكثنا أياما قلائل في الطائف زرنا حدائق نجمة, وسوق البلد,لنرتحل بعدها إلى مدينة البحر ، مدينة جدة ... ولي حكاية أخرى في مدينة الرخاء والشدة.