حذَّر الله سبحانه من الظلم وبيَّن أن عاقبته الهلاكُ في الدنيا، والعذابُ الأليم في الآخرة "وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا"، "وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا"، "فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ". فهذه سنة ماضيةٌ لا تتخلَّف ولا تحابي أحدًا، يراها كلُّ ناظر في تاريخ البشرية وحاضرها. ولقد أمر الله بالعدل ونهى عن البغي "إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"، "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ". وأمره بالعدل وتحقيق القسط يعم كل الناس مهما اختلفت أجناسُهم وعقائدُهم "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا. اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى. وَاتَّقُوا اللَّهَ. إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ، إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا، فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ. وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً". وضرب الله المثل بنفسه، وهو القادرُ المقتدرُ "إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا"، وفي الحديث القدسي (يا عبادي: إني حرَّمت الظلم على نفسي، وجعلته مُحرَّمًا بينكم، فلا تظالموا). وعقاب الظلم في الدنيا خسران "إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ"، "إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"، وفي الآخرة عذاب أشدُّ وأبقى "يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ"، "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ". وفي عصرنا صار الظلم علمًا، له تخصصاته وفنونه وأجهزته وبحوثه وأساليبه. ولكن الله وعد بنصر المستضعفين وبإهلاك الظالمين "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا، فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ. وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ. ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ". وفي الحديث (إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته. ثم قرأ: "وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ. إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ") ومن وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب). ومن الثلاثة الذين لا ترد دعوتهم (دعوة المظلوم، يرفعها الله تعالى فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب تبارك وتعالى: وعزتي لأنصرنّك ولو بعد حين). نعم بعد حين، فهذا يوسف عليه السلام ظلمه إخوته فألقوه في الجب، ثم بيع عبداً، ثم اتُهم في عرضه وهو العفيف، ثم سُجن وهو البريء. لكن الله مكَّن له في الأرض، وآثره على كل من ظلمه. فهل يتعظ الظالمون؟. كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز [email protected]