بينه وبين "الفلوس" معركة لا تكاد تهدأ حتى تبدأ، إذا توفرت بين يديه أهدرها، وإذا فرغت يداه منها ثار عليها، ونشر اتهاماته ضدها، وأعاد تقييم نفسه، وتقييم غيره بناءً على غياب هذه الفلوس، وينسى هذا التقييم لنفسه، وغيره عندما تكون الفلوس بين يديه!! والفلوس من جانبها تلعب معه لعبة الذئب، والحمل، إذا اقترب الذئب من الحمل طار الحمل بعيداً عن الذئب فيطير الذئب خلف الحمل، ولا يستطيع مجاراته، وإذا اقترب الحمل من الذئب تباسط الحمل في حديثه للذئب، حتى يظن الذئب أن الفريسة صارت بين يديه، ويبدأ خطواته تجاهها هادئاً، مطمئناً فتختفي الفريسة فجأة لحظة الاستعداد لالتهامها. أحياناً يتصور أن الفلوس هي الذئب فيخاف من الاقتراب نحوها، وأحياناً يتصور أن الفلوس هي الحمل الوديع فيقترب منها، والفلوس نفسها تكتسي عدة ألوان، وعدة صفات، تكتسي اللون الأسود، وتكتسي اللون الأصفر، وتكتسي اللون الرمادي، وكل لون له وسائل جذب، ونفور، وله وسائل إغراء ، واستياء، وأكثر من يعرف ذلك هم الممتلئون، والفارغون:الممتلئون يعرفون كل الألوان، والصفات، والمواصفات، والفارغون يبنون معلوماتهم، وأحكامهم على ما يقوله هؤلاء الممتلئون حيث حصيلتهم من المعرفة صفر. والفلوس خبيثة، وطيبة، وتظهر من الخبث أشد مما تظهر من الطيبة "وهي لو فعلت العكس لهانت على الجميع، وخفت هيبتها، وضاعت قيمتها، واهتزت صورتها، وتبدد لمعانها، وبريقها".. وهي تميل بمقدار نحو هؤلاء، ونحو هؤلاء فلا يعرف أي طرف لمن مالت أكثر، ولا يعرف أي طرف لماذا مالت أكثر فتحتفظ بشخصيتها، وتحتفظ بجاذبيتها، وحيويتها، وتحافظ على أسرار غرام الآخرين بها" كما يحافظ كاتم الأسرار الأمين على غرام العشاق"، وهذا ما يجعل للفلوس عالماً عميقاً يجمع بين الكتمان، والعلانية، "حسب مقتضيات الظروف"، ويجعلها في كل وقت وعصر، ومكان وزمان، مصدر خلاف واختلاف، ومصدر قلق ومتاعب، ومصدر ازعاج واضطراب. فمتى تكون الفلوس مصدر وفاق واتفاق، ومصدر طمأنينة، واستقرار، ومصدر راحة وسعادة، فلا يتباهى الممتلئون على الفارغين، ولا يستعرضون أوجه تباهيهم، ولا يتنازع الفارغون في الخوض بعرض أوضاعهم، وأحوالهم، ويكتفي كل طرف بما وصل إليه، وبما لم يصل إليه..ولو جئنا لكشف جزء من أسرار الغرام تجاه الفلوس فإن الذين يلعبون بها أقل من الذين تلعب بهم، والذين يلعبون بالفلوس، ولا يعرفون قيمتها أكثر من الذين تلعب بهم الفلوس، ويعرفون قيمتها.