في الحلقات السابقة استشهدت بنبوءة خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم التي قال فيها: «زُوِيَتْ لي الأرض مشرقها ومغربها حتى رايت هذا الدين يدرك كل بيت حجر ووبر فيها» ولهذا الحديث « النبوءة» أكثر من رواية وقد صدق الله سبحانه عز وجل تلك النبوءة الشريفة.. بقوله تعالى في القرآن الكريم : «يُريْدُونَ أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتمّ نُوره ولو كره الكافرون» .. « هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون» صدق الله العظيم .. وقد وردت في القرآن الكريم تصديقاً لنبوءته صلى الله عليه وسلم تلك آيات أخرى .. وتساءلت في الحلقات السابقة هل العولمة اليوم بما هي عليه من وسائل الاتصال والتقريب في عالمنا الذي نعايشه حتى غدت الدنيا في إطار قرية واحدة؟؟ لربما يتحقق فيها وعده الحق فنجسد نحن اتباعه نبوءة خاتم أنبياء الله ورسله صلى الله عليهم وسلم وقد ارتقينا على مستوى الالتزام الكامل بالهدى ودين الحق ليمكننا الله تعالى من قيادة مسيرة العولمة اليوم؟ .. فيسود الدين الحق في قالب الواقع والحقيقة ويظهر الإسلام على الدين كله؟ .. وهو وعده الحق عز وجل .. وللإجابة على هذا السؤال المصيري للانسانية كتبت هذه الدراسة مستلهما التوفيق من الله .. وهذه هي الحلقة من دراستي التي اطرحها مسلسلة للرأي العام: مسلمو اليوم .. هل هم في مستوى رسالة الإسلام «؟؟؟ إن أكثر مسلمي اليوم أحوج ما يكونون على مستوى رسالتهم الإسلامية المثالية فلا بد لهم من نقد الذات ومحاسبة النفس في تشخيص ما يعانوه من أمراض لحقت بهم بعد أن اكتفوا من القرآن الحكيم وسنة الرسول العظيم بالتبرك والتقديس من غير أن يضيفوا الى ذكل التدبر الدائم المستمر فيما أنزله الله سبحانه من وحي مجيد والتجسيد بالعمل لكل مافي ذلك الوحي الأقدس في حياتنا أفراداً وجماعات وأمماً نجسده في قالب الواقع والحقيقة في كل ما ينسب ويرد الينا ويصدر عنا من قول وعمل وحركة وسكنة أو نظرة أو رائحة أو نية عابدين الله سبحانه كأننا نراه فإن لم نكن نراه فهو يرانا، ملتزمين بقوله سبحانه بكل حسن وهو القائل عزوجل: « الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور» الملك: 2 وتحضرني قوله قالها في مؤتمر القمة الإسلامي المنعقد بإيران في دورة من إحدى دوراته السابقة رئيس وفد بلادنا الملك عبدالله بن عبدالعزيز : « إن علينا ما يلزم بالضرورة إصلاح البيوت من داخلها» .. وكان وقته ولياً للعهد.. وهي قولة حكيمة تلزم تنفيذها كل جولة إسلامية منذ أن قيلت .. وفي أيامنا هذه بالذات في هذه السنين التي تجري الأيام فيها كما تمر الشهب فكلنا محاسبون أمام الله في تقصيرنا .. وعدم تحملنا مسؤولياتنا المودعة فينا ولدينا نحن المسلمين اليوم !!.. يجب أن نكون صرحاء مع أنفسنا لقد حملنا رسالة الحياة لأنفسنا وللخلق كلهم . فلماذا نتخلى عن مسؤولياتنا ؟ والكل منا يعرف ويدرك مافرط منا من أجيال قريبة سابقة في الرسالة الخالدة؟ ولماذا تفرق المسلمون واصبحوا ليسوا في أكثرهم على مستوى رسالتهم .. أولسنا ولدنا على أننا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ورثة رسالته والأمناء على تبليغها قولاً وعملاً .. أورثنا أياها صلى الله عليه وسلم محجة بيضاء ليلها كنارها لا يغفل عنها إلا هالك ؟ لقد هلك قبلنا أكثر من جيل غفل عنها؟ .. فهل نهلك اليوم نحن أحفاده وأتباعه، إن كل من ولد بعد بعثته هو من أمته صلى الله عليه وسلم. إلا أنهم ولدوا كما هي فطرتهم بين أبوين متوارثين لدين غير دين فطرتهم، فهل ندعهم يهلكون فنأثم معهم فنهلك؟ إن في اعتقادي أن أول شيء علينا أن نلتقى عنده ونجمع القوى عليه هو الرغبة في توحيد الأمة الإسلامية وراء رسالتها الأولى. مع طرح الخلافات الجانبية والمطالب الجزئية والأفكار الثانوية فلا حل ولا علاج لمشكلات العالم اليوم بدون تحقيق هذا الهدف الذي نلتقى عليه ونحاول أن نصل إليه . أريد أن انبه المسلمين إلى أمر هام وهو أن طالب الحياة يتسطيع ان يتغاضى عن بعض العراقيل الموجودة في الطريق لأنه حريصاً على حياته وعلى مايوفر لها البقاء والامتداد .. فلماذا نتقاتل نحن مسلمي اليوم على قضايا ثانوية وتشغلنا الافكار التافهة والفروع الفقهية والحواشي العقائدية .. وكل هذا من الممكن أن يتلاشى من نفسه لو أنا استشعرنا جلال الهدف الكبير الذي يشد قوانا كلها إليه. وهو الرجوع الى الحق توحيداً لكلمتنا وإحياءً لنا باستجابة لرسالتنا التي دعونا الله سبحانه اليها ورسوله لتحيينا. إن ما نعانيه اليوم ونشكو منه في سبيل هدفنا الجليل هذه كأمة واحدة. يرجع إلى رافدين: رافد .. قريب منا ونحن الأساس فيه وهو ما انحدر إلينا من مواريث فكرية سيئة عبر تاريخنا الإسلامي الطويل الذي يتأرجح خطه البياني بين الصعود والهبوط . ففي عصور الانحدار الحضاري والثقافي في تاريخنا تكونت تيارات آسنة استطاعت أن تبقي بين طبقات من الأمة وأن تظل تنحدر حتى تصل إلى عصرنا هذا. تاركة موجات فكرية رديئة وأحوالاً نفسية سيئة. والرافد الآخر: هو سوء اقتباسنا من الحضارة الحديثة التي استطاعت أن تصبغ العالم كله بصبغتها ويظن عددا كبيرا من الناس أن التحضر والتطور أن يسكن الواحد في ملابس هذه الحضارة ان يأكل « الهمبرجر» وغيره بالطريقة التي يأكل بها أولئك المتحضرون . أو أن يسرف في الملذات على النحو الذي يسرفون به على أنفسهم من عري لنساء وابتعاد عن ما يلزمنا به ربنا من قيم اخلاقية فننبذ الفواحش وماظهر منها ومابطن دون خشية منه سبحانه. والتقى الرافدان معاً في أيامنا هذه فوجدنا من الرافد الأول المتناقضات وجدنا من لا يزال يحارب المعتزلة .. ومن يناصر علياً ومن يناصر معاوية رضي الله عنهما ومن لا يناصرهما .. ومايشبه مثل هذا .. من الحماس لأمرين .. الحكم فيهما لله عز وجل سبحانه ! .. ووجدنا من الرافد الآخر من ينقل من هوليود أسواً مافيها.. إن هذه المتناقضات في أمتنا تحتاج الى يقظة فكرية عند من يعالجون أمرها. والامر يحتاج الى ان نحسن التشخيص فنعرف ما كان في مواريثنا فنرده الى «القرآن الحكيم» وسنته صلى الله عليه وسلم الشريفة فإن هذا ديننا الأقدسي جاء شفاء للناس ودواءً لعللهم « وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً» كما قال الله سبحانه في سورة الإسراء. ولنرسم حضارة لأمتنا التي استطاعت بكتابها المقدس وسنتها الشريفة ولازالت وستظل بقدرة الله العلي القدير العظيم الخبير البصير العظيم سبحانه ان تسود العالم عدة قرون. وعدما اكتفت امتنا بالتبرك بهما وتقدسيهما ولثمهما فحسب ولم تتدبرهما وتعمل بهما تخلفتا واشتد بنا اليأس والبأس. كذلك لابد أن ننظر إلى ما نقتبسه من الآخرين. الذي انتصروا بالتجربة والاستقراء والتأمل والملاحظة للكون والتسخير لقواه والالتفات لما فيه مما سخره الله سبحانه لخلقه من خير مع التزامهم بأخلاقيات نحن الذين عرفنا بها ونقولها منا وفي مقدمتها الصدق والأمانة والإخلاص في العمل وفي التعامل وغير ذلك من تلك القيم التي خسرناها في كثير من مسيرة حياتنا.. فلابد لنا أن نعود فنتمسك باخلاقياتنا ونستفيد من تجارب الآخرين، ونتعامل مع الكون على هذا الأساس. إن أمتنا الإسلامية مصابة بأمراض متناقضة ومتضادة ولذلك يجب أن يكون التشخيص دقيقاً، إذا عرفت العلة عرف العلاج! ولكن .. لو تساءلت هل يدل استمرار تلك العلل واستفحالها على أنها أقوى من العلاج ومن كل الحلول المطروحة ؟ فإنني أجيب قائلاً إن عدداً كبيراً من المهتمين لم يحسن التشخيص. فجسم الأمة يشكو من شدة الألم لكن لا يدري عن الجراثيم التي حملت اليه العلة. ونحن نتألم من مصابنا لكننا ليست لنا القدرة الكافية والجرأة والمنزهة على مصارحة النفس ومراجعة الذات فلم نعترف بخطأ موقفنا من مواريثنا ولا نبالي أن ننقل من أيام الانحدار ما يزيدنا انحداراً .. في هذه الأيام. كذلك لم نفرق بين الغث والثمين في الحضارة الحديثة. ولم نحسن الاستفادة من خيرها . وتجنب شرها في كثير من ضروبها. وقد أثبتت كثير من الأحداث التي تجري بين الحين والحين.. في الدول وخاصة الاسلامية منها انها تعالج قضايا تلك الاحداث والمصيرية منها وفقاً لرصيد العاطفة المخزن لديها فهل لأمة تريد الكمال في تجانسها مع الأمم الأخرى تحكيم عواطفها وإرادتها!؟؟ العاطفة شيء لابد منه في الكيان الإنساني وإنما تعاب العاطفة يوما تكون متحركة في غياب الفكر العقلي .. وأن يكون العقل متحركاً وراء عاطفة فسيكون عقلاً آلياً ولن يتجاوز مكانه.. نحن نريد أولاً أن نفحص بعقولنا ما يسود من أفكار وما يسيطر على حركاتنا من تيارات فإذا أمكننا أن نعرف الصواب أحببناه وحشدنا له ما لدينا من مشاعر .. إن اليهود وهم شعب لا يوصف بأنه عاطفي ربطوا أنفسهم «بحائط المبكي» استشارة للمشاعر الإنسانية الدفينة نحو ماض لهم يريدون استعادته كما يخططون لذلك ولكن عقولهم متحركة متوازية مع عواطفهم .. إن عواطفنا نحن المسلمين إذا تحركت وراء عقولنا ووراء فكر ثاقب يحدد لنا أهدافنا فطوبى لهذه العواطف فنحن نريدها وتسرنا جميعاً . وأما العواطف الصبيانية أو التلقائية التي تولد لأن بعض الرغبات السارية ذات النزعات الغرائزية أجيبت أو بعض الأهداف القريبة تحققت فإنها عواطف غير مجدية. ومع ذلك فإنني أجدني مؤكداً أن أمتنا الإسلامية التي تعيش في قاع تاريخنا الزاهي بقيمة ومناقبة المثالية السامية لا تنسى ولن تنسى واقع ماضيها المشرق بنور ربها فلابد أن تسعى الى ما كانت عليه فتستعيد ما فقدته وقد تصل قريباً إن شاء الله سبحانه وفق نشاطها ووفق تحديد الهدف الذي تريد ان تصل اليه .. وإنه لوعد الله سبحانه الحق .. ولاريب .. وأعتقد أن المؤمنين معي بهذا الوعد الحق وعددهم غير قليل من المهتمين بأمتهم وأنها لن تبخس مثوبتهم لدى ربهم على جهودهم المبذولة في إعادة الأمة إلى صوابها أو إعادة الصواب الى أمتنا الإسلامية ولا أبخس نفسي وأملي بالله كبير فقد عانيت ولا زلت في هذا الميدان والحمد لله إنه وعد الله الحق ولاريب!!..... يتبع