الحادثة التى نشرتها الصحف قبل اسابيع من العثور على جثة انسان في صندوق عجلات الطائرة العائدة من بيروت اثارت في نفسي الكثير من الالم والشفقة والاستغراب. اذ انني تخيلت نفسي في هذه الطائرة عائدا من بيروت في كابينة الركاب المكيفة والركاب من حولي يتضاحكون والمضيفة الجميلة تغدو وتروح بالاطعمة والمشروبات الفاخرة بينما هناك انسان يصارع الموت في نفس الوقت في كابينة الكفرات ويتعرض للبرد القارس والاختناق وهدير المحركات. كيف يتصرف انسان عاقل هذا التصرف الغريب لابد ان هناك جهلاً عظيماً بمسائل الطيران فالطائرة ترتفع أكثر من ثلاثين الف قدم حيث تنخفض درجة الحرارة الى خمسين درجة تحت الصفر ويقل الاوكسجين او ينعدم عند هذا الارتفاع اما الركاب داخل مقصورة الطائرة فإنهم يعيشون في جو صناعي من التدفئة والرطوبة والامداد بالاكسجين ومثلهم بالضبط مثل ركاب الغواصة الذين يعيشون في اعماق البحر في طقس صناعي ترتبط باستمراره حياتهم داخل الغواصة صحيح ان هناك بعض القصص التي سمعناها ايام الطفولة عن اشخاص تعلقوا بمخالب النسور فعبروا الى اودية الذهب ثم عادوا محملين بالذهب والجواهر رابطين انفسهم في مخالب النسور الضخمة الا ان طائرات اليوم ليست كنسور الامس وصحيح ايضا ان الطائرات في بداية عصر الطيران كانت تطير على ارتفاعات منخفضة وكان يمكن للركاب مشاهدة كل مايجري على الارض وكأنما هم في بلكونة عمارة من عشرة ادوار وبالطبع لم يكن الجو يختلف في هذه الطائرات البدائية عن الجو خارجها ولم تكن هناك حاجة لامدادات الاوكسجين وتثبيت نسبة الحرارة والرطوبة كما ان كفرات هذه الطائرات تبقى بارزة طوال الرحلة وربما تمكن بعض محبي السفر بالمجان من التعلق بكفرات هذه الطائرات والوصول سالمين كما يفعل ركاب القطارات في بعض الدول حتى يزيد عدد الركاب المتعلقين على عدد الركاب الجالسين. بل ان المسافر داخل كابينة عفش الطائرة لايمكن ان يصل سالما لانه لا يتوفر بداخلها الاوكسجين ولا التدفئة والرطوبة اللازمين لحياة الانسان واتذكر قصة قديمة لشاب ايراني حاول تهريب خطيبته الى امريكا داخل صندوق عفش شحنة معه بالطائرة فوصل الصندوق سالما وماتت خطيبتة. الا ان من اغرب القصص ماحدث في رمضان من السنة الماضية بمطار جدة فقد ذكرت الصحف ان احد عمال مناولة العفش من الجنسية البنغالية اخذته غفوة بعد ان رص امتعة الركاب داخل كابينة الامتعة بالطائرة التركية ولم يوقظه من غفوته الا عمال مناولة العفش في مطار اصطمبول وبعد التحقيق اتضحت القضية ففاز بجولة سياحية مجانية في اصطمبول وعاد في اليوم الثاني مكرما معززا على حساب الخطوط التركية وكان وصوله على بداية دوام زملائه فواصل معهم العمل كالمعتاد ولم يحتسب له الا يوم غياب واحد.