في "البلاد" زمان نشر خبراً عن قيام زوار المرضى في مستشفى "الزاهر" في مكةالمكرمة بالتواجد ساعات طويلة لدى المرضى والطريف ما ورد في الخبر من اصطحاب هؤلاء الزوار الأجهزة "الراديو" داخل غرفة المريض و"المسامرة" بجواره.. وإدخال مختلف الأطعمة. هنا لندن حديث البلاد كان يشير لتاريخ قديم جاوز العقود الأربعة وتذكرت تلك الفترة وظروفها وثقافتها وحرص الناس على زيارة المريض بل وحرصهم على الاستمرار بجواره من مبدأ ثقافة "التسلية والترويح عنه" وكان الناس في تلك الفترة لا يعرفون من وسائل الاتصال والإعلام إلاَّ "الراديو" وكانوا لا يعرفون إلا إذاعة جدةولندن وصوت العرب بمعنى ان لامريض يُفرض عليه سماع اخبار الحروب والدمار واللقاءات والاتفاقيات وما حصل في العالم من خراب وحوادث قطارات وسقوط طائرات. أم كلثوم لكن المريض حتماً سوف يجد وقتاً لسماع أم كلثوم وفيروز وصباح ومحمد عبدالوهاب ومحمد عبدالمطلب وشيء من أغاني طلال ومحمد عبده في بدايتهما ويشنف أذنيه التي تعاني من الوهن بشيء من "الموشحات" وموسيقى من "بتهوفن" وان كان لا يعرف صاحبها.. الى جانب برامج المساء وما يطلبه المستمعون والأرض الطيبة وما حصل في استصلاح أراضي مزارع تبوك وغيرها.. لقاءات أسرية أما الجانب الآخر بعيداً عن الأخبار والإذاعات فإن المريض كان يستمع إلى نشرة أخبار أخرى من الأسرة والأقارب واتصور أنها لا تخرج عن.. فلان مريض في الغرفة المجاورة لك وأبو سعيد توفى أمس واليوم ثاني أيام العزاء وصديقك أحمد داهمته سيارة وهو في طريقه للعمل وعفاف عقد قرانها الأسبوع القادم على ابن صديق والدها حسن الموظف في البريد.. أما خالتك سميحة فقد سقطت في السطح واصيبت بكسر في رجلها ورفض زوجها نقلها للمستشفى واحضر لها رجل "مُجبر" لتجبير الكسر ولازالت في أحد غرف السطح لعدم استطاعتها النزول لظروف الكسر وأهم ما في الأمر أن الطبيب الذي يشرف على علاجك تحدث مع أخوك فؤاد وقال إن مرضك يحتاج للبقاء في المستشفى شهر آخر. سليق وبرياني وكانت تلك الفترة حافلة بأمراض أشد خطورة من الحديث والأغاني وأخبار العالم وهي اصطحاب و"تهريب" أقارب المرضى لكل أنواع الأطعمة خاصة تحت عباءة السيدات في قدور أو حافظات كانت تسمى "مطبقية" - سليق - برياني - مختوم - فول - مقلية - مقادم - رأس مندي وذلك خشية تدهور صحة المريض وبالتالي استمراره في المستشفى وتقدم هذه المأكولات للمريض بشيء من السرية بل ويقبل البعض من هؤلاء المرضى "المحافظة" على شيء فيها تحت "السرير" أو في مكان خفي في الغرفة. مجتمع متلاحم بعيداً عن سوء هذه الطرق وعدم ملاءمة ذلك للمريض وظروف مرضه إلا أن الدافع كان "التلاحم" و"التواد" والتواصل بين الناس في تلك الظروف وذاك المجتمع "الجميل" قبل أن نتحول بدون راديو ولا أطعمة ولا أخبار لعدم معرفتنا أو تواصلنا مع المريض أو المحتاج.. صورة قديمة جميلة مع ما بها من إزعاج.