العنوان أعلاه هو مثل شعبي مشهور بين الناس وعادة ما تنشأ الأمثال الشعبية والفصحى على الألسنة نتيجة تجارب ومواقف تمر بالمجتمعات فيقوم بعض أصحاب الحكم والأمثال بصياغة حكمة أو مثل في كلمات قليلة تغني الناس عن الشرح الطويل والكلام الكثير وهذا الأمر موجود لدى سائر الشعوب في العالم فإذا عدنا إلى المثل الذي جعلته عنوان هذا المقال وهو كما أسلفت مثل مشهور وقد لا يكون المثل معبراً عن حالة قتل مشى فيها القاتل في جنازة المقتول، ولكن المعنى العام للمثل الذي قد يكون عبرة عدة صور ومواقف يتجسد في أن يقوم إنسان ما بإلحاق الأذى المادي أو المعنوي بإنسان آخر فإذا أثر ما فعله في ذلك الانسان وأصابه بما أصابه فإنه يتباكى أمام الناس مظهرا مودته له ورحمته به واستعداده لمساعدته والوقوف إلى جانبه ولكن بعد أن يكون الضحية قد نال على يد ذلك الإنسان المؤذي كل أنواع البطش والأذى والتكبر والعذاب. على سبيل المثال: يسمع الإنسان أن فلاناً أصيب بالضغط والسكري وأن سبب إصابته بالمرض أن علانًا يقوم دائماً بالسخرية منه والتقليل منه وتحقيره وربما شتمه امام الآخرين أو طرده بصوت مرتفع وبألفاظ نابية، فلا يستطيع الرد على شاتمه فيكظم ذلك في داخله، فيصاب في نهاية الأمر بالضغط أو السكر أو الاثنين معاً، فإذا بلغ المؤذي ما حل بضحيته من مرض وأحس أن الألسنة بدأت تتجه إليه بأنه وراء ما جرى لفلان المشهور بطيبته وأخلاقه فإنه خوفا مما قد تجره أحاديث الناس الذين لا يقرون تصرفاته عليه، يتظاهر المؤذي بأنه قد تأثر مما أصاب فلانًا ويقول لبعض من حوله: "البارح اشتريت له علبتين: دواء مشهورًا عالميا لعلاج الضغط وآخر مشهورًا دوليا، هو الآخر لعلاج السكر والثالث مشهورًا محليّاً وعالميا لعلاج القلب إذا اصيب به مستقبلاً"، فيردد بعض من حوله في نفوسهم وبصوت منخفض: صدق المثل الشعبي "يقتل القتيل، ويمشي في جنازته". وقد يصل الأذى والإهانة للكرامة من قبل إنسان بتكبر ضد آخر إلى حد توجيه عبارات الطرد إليه مثل "اطلع بره" ، "اقلب وجهك" "روح بيت أمك"، أو تلقيبه بأسماء الحيوانات إلى غير ذلك ممَّا هو مشهور بين الناس من وسائل التحقير والسباب فيصاب الضحية بمرض الضغط والسكري والقلب "معاً"، ويراه زميل له أو صديق له وهو يتناول حبوبا بالجملة ويكون معهم شخص لا يعرف شيئاً عن أحوال الضحية، فيهوله كمية ما ابتلعه من حبوب بأحجام مختلفة، فيرد عليه أحد زملاء الضحية قائلاً له: هذه كلها بسبب علان والله يحمينا، وربما لا يعيش الضحية مدة طويلة أو يعيش معلولا مراجعا للمستشفيات منوما فيها بين حين وآخر، فإذا أظهر المتسبب في مرضه، أو عجزه أو وفاته قال الذين يشاهدون تلك الصور ولديهم معرفة كاملة بالصور السابقة عن سلوك وتعامل علان مع فلان قالوا صدق المثل الشعبي المشهور، يقتل القتيل ويمشي في جنازته. وأخيرا فإن الانسان الحصيف لابد أن يعرف أن تجريحه وتحقيره وصده وطرده وصياحه في وجه من لا يستطيعون الرد عليه، ينتج عنه حتما قهر في نفوسهم، يتراكم فيتحول إلى كوارث تؤذي الضحايا فلا ينفع بعد ذلك التباكي أو محاولة الاعتذار بل إن على كل إنسان أن يعامل الناس بخلق حسن اقتداء بالرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم الذي مدحه الخالق بقوله "إنك لعلى خلق عظيم"، وهو الصادق المصدوق الذي قال لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها "يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله وما رافق الرفق شيئاً إلا زانه وما فارقه إلا شانه". وألاَّ يكون الإنسان المتغطرس من الذين يتمثلون بقول الشاعر الجاهلي: ونشرب إن وردنا الماء صفواً ويشرب غيرنا كدراً وطيناً لأن هذا كله غرور وتعالٍ عاقبته في الدنيا قبل الآخرة عاقبة وخيمة فاعتبروا يا أولي الأبصار.