ألقت رشا تحية الصباح وأتبعتها بالقول المأثور " إن وراء الأكمة ما وراءها"، وأسألها من أين جاءت بهذا المثل و ما المناسبة؟ فتقول من والدتها وأنه " مثلٌ عربي قديم يُضرب لمن يُفشي على نفسه أمرًا مستورًا". سرني سماع هذا المثل من فتاة أسبانية لا يشدها إلى اللغة العربية إلا حليب أمها الذي رضعته ممزوجا بحب الأهل والوطن، وسألتها ما المناسبة فأجابت بمثل آخر"إذا عرف السبب بطل العجب"، فقد "انكشف الغطاء و بان المستور"، وما هو المستور الذي ظهر وبان يا رشا؟ أجابت بأنه تكتل عمالقة شركات المال والصناعة في بلد القطب الأوحد، يعمل من أجل السيطرة على اقتصاد العالم وإخضاع دوله لفلكه بما يحقق للتكتل الأرباح الهائلة مع السيطرة على مقدرات العالم، ويحقق لشعبه المزيد من الرفاهية ورغد العيش، وللبلد الفريسة الدمار والإفلاس. ولنأخذ الإكوادور على سبيل المثال، ذاك البلد الغني بثرواته الطبيعية فوق الأرض وتحت الأرض، " فقد تحول إلى فريسة مثالية للتكتل أوصلها إلى الإفلاس عن طريق إثقال اقتصادها بديون بمليارات الدولارات مقابل تكليف شركات الهندسة والتعمير من بلد التكتل ببناء مشروعات تساعد عائلاتها الأكثر ثراء على مزيد من الثروة والنفوذ، ونتيجة لذلك، ارتفعت نسبة الفقر بين سكان الإكوادور من 50% إلى 70%وازداد معدل البطالة من 15 إلى 70% وارتفع الدين العام من 240 مليون دولار إلى 16 مليار دولار، وانخفض نصيب السكان الأكثر فقرا من مخصصات الموارد الطبيعية من 20 إلى 6%، ووجدت الإكوادور نفسها مع بداية الألفية الثالثة مضطرة لإنفاق ما يقرب من 50% من ميزانيتها القومية لسداد ديونها، بعد أن كان من المفترض أن تنفق هذه الأموال في مساعدة ملايين المواطنين الذين صنفوا رسميا على أنهم يعانون من فقر مدقع" . فقد دأب التكتل على تسويق مشاريع ضخمة ومكلفة متمثلة في تطوير وتحديث المدن وبناء السدود وشق الطرق السريعة ومد شبكة مواصلات واستثمار الموارد الطبيعية وفي مقدمتها الغاز والبترول، لبلدان لا تزال متخلفة وفق مقياس التحضر وتملك تحت أرضها الثروات التي تمد الدول الصناعية بما تحتاج إليه من الطاقة ، متناسية حاجة شعوب تلك البلدان المستهدفة لأبسط متطلبات الحياة الكريمة بدءا بقرص العيش وحفنة الرز ونهاية بالضمانات الصحية والاجتماعية. وأسأل رشا عن ماهية التكتل فتجيب بأنهم مجموعة الكوربورقراطيين، ولتعرف المزيد عنهم ارجع إلى اعترافات واحد منهم وهو جون بركنز في كتابه بعنوان "الاغتيال الاقتصادي للعالم"، والذي يختمه بقوله "هو اعتراف مجرد وبسيط لرجل سمح لنفسه في وقت ما أن يكون رجلا باع نفسه لنظام فاسد لأنه يقدم الكثير من المميزات ولأنه كان يجد أعذارا لأطماعه " (أطماع التكتل) في استغلال البائسين ونهب البشر، رجل اتبع نموذج أولئك الذين أباحوا كل شيء يعزز الإمبراطورية الكونية حتى إذا كان هذا الشيء يشمل القتل وتخريب البيئة، وكان في استطاعة التكتل خلق عالم أفضل في مقدمتها توفير طعام ومياه تكفي الجميع، دواء لعلاج الأمراض والوقاية من تلك الأوبئة المستوطنة التي تتفشى وتصيب ملايين الأفراد كل يوم، وأنظمة مواصلات يمكنها توصيل أساسيات الحياة حتى لأبعد مكان في الأرض، ونشر الثقافة وتقديم خدمات الانترنت التي تتيح لجميع سكان الأرض التواصل فيما بينهم. وتنهي رشا المقابلة بقولها إن ما ورد في اعترافات جون بركنز هو قصة غير معلنة لكيفية تحول القطب الأوحد من جمهورية تحظى بالاحترام إلى إمبراطورية ترتعد خوفا من كراهية العالم لها، ولعملاء للتكتل باعوا بلدهم مقابل توكيلات وأرصدة بنكية رفعتهم إلى مصاف الأكثر ثروة على مستوى العالم، وجعلت منهم أهل الحل والعقد في بلدانهم، لا يبالون ببؤس من حولهم تمشياً مع المثل القائل: "حادت عن ظهري بسيطة"، وذلك الذي قال " أنا ومن بعدي الطوفان".