بلد ظل احتلاله أكثر من مائة وثلاثين عاماً، من أجمل البلاد التي زرتها في حياتي بقيت فيها عدة أسابيع، جئته في أحسن فصول وأحبها إلى نفسي، حضرت شتاءه وأحببت هواءه البارد وشمسه الدافئة، هضابه وجباله التي تتحلى بأشجار باسقات، رغم تضاريسه تجد أهله يسكنون بين طبيعته الساحرة. راحة نفسية تسكن بداخلي هواء نقي ينعش قلبي ويدخل البهجة على نفسي. صدق الشاعر مفدي زكريا "رحمه الله" في أبياته التي لمست شغاف قلبي حين قال: جزائر يا مطلع المعجزات ويا حجة الله في الكائنات وحين قال: جزائر يا لحكاية حبي ويا من حملت السلام لقلبي ويا من سكبت الجمال بروحي ويا من أشعت الضياء بدربي تمنيت يوماً زيارتي له ، كيف لا وجزائر الأحرار والمليون ونصف المليون شهيد تشغل جزءاً كبيراً من ذاكرتي! التقيت فيه بكثير من أهله الطيبين، التقيت بمجاهدات ما توقعت يوماً أن يضمني بهن مكان واحد، تحدثنا سوياً وتمنيت أن يقصصن علي ذكريات نضالهن، رأيت نوراً يحيط بهن وتاريخاً مُشرفاً محفوراً على وجوههن، زادني وجودي بينهن فخراً على فخر، علمت أن كل بيت يحمل ذكرى شهيد أو شهيدة ومناضل أو مناضلة، رأيت سمائه الزرقاء وشممت عبق النصر وريح المسك في هوائه. لتنظروا بعيني إلى جزائر الأحرار. استرد الجزائريون وطنهم وأرضهم بعدما قدموا دماءهم فداء لها، ثلاثة عشر عقداً من الزمن ويزيد، مرت ولم يستسلم أصحاب الحق لاحتلال سلب خيراتهم! هنيئا لهم فأرضهم ينامون الآن في أحضانها ويلتحفون بسمائها ويتنفسون حر هوائها ونقائه وصفائه. أعجبتني الجزائر العاصمة بلونها الأبيض الرائع الذي ترتديه فعمائره جميعها بيضاء ونوافذها زرقاء، تقف شامخة بزيها الموحد وكأنها تتزين لاحتفال دائم بعرس يحكي تاريخها المشرف ليرث الأبناء والأحفاد أغلى ما يمكن، فملحمة النصر تعاد ذكراها بدقائقها في كل عام لتحفر قصص الكفاح المُشرف في عقول وقلوب أطفالها وشبابها ولكل زوارها، ليستمر الفرح بالنصر، بالتحرير، والاستقلال. بحرها الأبيض المتوسط يزين جيدها هدية الله في أرضه، ويحمل كنوزاً خفية وسيظل يحرس لأهله حقها، كنوز لا يستطيع أي من كان سلبها، فقد عاد البحر وخيراته، وكل قطرات ماءه تقف مع ذرات ترابه الذهبية، شاهداً على تاريخ أبنائه البواسل الأحرار وكفاحهم التاريخي المُشرف المتوج بالنصر، صارخة أمواجه بهدير صوته لأبناء الجزائر: "قف شامخاً فأنت جزائري".