عرفت الحاج محمد مدبولي منذ كان يبيع الدوريات اليومية والاسبوعية والكتب أغلبها باللغة العربية، وبعض الكتب بلغات غير عربية كاللغة الانجليزية والفرنسية واليونانية، ولم تمض بضع سنوات حتى أصبح الحاج يملك مكاناً متواضعاً اتردد اليه بين الحين والآخر طوال مدة اقامتي في مصر، خصوصا وانني كنت احرص على شراء الدوريات اليومية والاسبوعية، وبعض الكتب التي تغطي اهتماماتي، ثم تطورت علاقتي مع الحاج شيئاً فشيئاً بعد ان تحول "الدكان" إلى مكتبة ذائعة الصيت في ميدان طلعت حرب، وتوسعت المكتبة مع الوقت في عمليات البيع والتوزيع والنشر، إذْ فاتحته في احدى سفراتي الى مصر عام 1409ه عن النسبة التي يتقاضاها في شراء الكتب من المؤلفين مباشرة، فقال: "العنوان" يحدد قيمة الكتاب عندي! قلت: بصرف النظر عن محتوياته. قال: بالطبع لأن العنوان يبيع الكتاب، وليس المضمون، فهناك كتب عليها طلب كبير لأن العنوان جذب القراء وليس المحتويات! وأضاف: هل عندك "كتاب" تريد توزيعه! قلت: عندي كتابان عن السعودية، الأول: بعنوان: "التمثيل الدبلوماسي والقنصلي بين المملكة والعالم الخارجي"، والآخر بعنوان: "المملكة وهيئة الأممالمتحدة"، لم يتركني أكمل، قال: أحضر عشر نسخ من كل كتاب، وأضع السعر المعقول، ولك ان تحدد النسبة التي تريدها على كل كتاب، فأنت صاحب الكتاب ومؤلفه. احضرت الكتابين في اليوم التالي، قال: سألني البعض الذين يدرسون في كلية العلوم السياسة في جامعة القاهرة قبل اسبوع عن هذين الكتابين، فقلت لهم: اعطوني الوقت للبحث عنهما، وأخرج ورقة كانت مع مجموعة من الاوراق من الجيب، فرأيت بالفعل عنواني الكتابين، فسررت على هذه المفاجأة السارة واضاف: هناك باحث سعودي في جامعة القاهرة كان يبحث عن كتب تتحدث عن السعودية، ومندوب مكتبة "الكونجرس" في مصر كان يبحث عن كتب عن السعودية، على أي حال اتركها، وسأتصل بك إذا طلبوا كمية أخرى، وقبل أن تغادر القاهرة مُرّ على المكتبة، فهناك كتب سياسية حديثة صدرت في بيروت. لم أتمكن من المرور على المكتبة قبل مغادرتي لمصر لانشغالي بالحجز والعودة، وضيق وقت بقائي بالقاهرة، فغادرت على عجل. عدت إلى القاهرة بعد مضي ثمانية شهور، فسلمت على الحاج مدبولي، فاذا به يقبلني ويقول: أين أنت! لماذا لم تمر عليّ، فقد حضرت لك المجموعة، يا استاذ مندوب مكتبة الكونجرس طلب "25" نسخة من المؤلفين، وما عندي سوى نسختين: أرجو أن تحضر الآن "30" نسخة من الكتابين لأن مندوب مكتبة الكونجرس سيمر عليّ بعد غد. قلت: لم أحضر سوى "35" نسخة من كل كتاب على حدة، و"10" نسخ من كتابي "هيئة الاممالمتحدة منذ النشأة وحتى اليوم" ، ناولته نسخة منه، فإذا به يقول لي: "أحضر الكمية كلها من الكتابين وكذلك النسخ العشر من كتابك الجديد، وخذ قيمتها مقدماً. لم أتمكن من اخباره بأن الكتب التي احضرتها تخص مكتبة الكتاب المصري اللبناني في القاهرة، وانما اكتفيت ان اقول له: سآخذ خمس نسخ من كل عنوان ، فأصر أن أحضرها كلها، وأخذ قيمتها في الحال! والتقيت به، وهو آخر لقاء في سفرتي مع الاسرة في عام 1427ه في مكتبة مدبولي في القاهرة، واحضرت معي خمس نسخ من احدث اصداراتي التي طبعت في بيروت/ لبنان وهي: "قاموس المسافر" وقاموس الاختصارات الانجليزية ، وكتاب منظمة التجارية العالمية منذ النشأة وحتى اليوم"، قال: يا استاذ المفروض كرتون من كل عنوان، فهي عناوين مطلوبة، ذكرت له ظروف سفري المفاجئ الى مصر، واضفت سأحاول ان ارسل الكمية المطلوبة مع احد العاملين في محل والدي. طلب مني الحاج مدبولي ان اعيد طباعة مؤلفاتي في مصر، وان تتولى مكتبة عملية الطباعة والتوزيع والنشر على ان توضع على الغلاف اسم مكتبته " مكتبة مدبولي" حصريّاً في توزيعها في القطر المصري أو خارجه، وان يقدم لي مبلغاً في حدود عشرة آلاف جنيه على كل كتاب، ومائة نسخة هدية من المكتبة، وان اخبره بقراري النهائي بعد اسبوع، والحضور لتوقيع الاتفاق بالقاهرة. لم أتمكن من الاتصال بالحاج لانشغالي بالعمل ومراجعة قاموس المختصرات الانجليزية، وقاموس المصطلحات الانجليزية" اللذين يجري طباعتهما في بيروت، وها هو يترجل الحاج مدبولي ورحل عن دنيانا دون أن يتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه شفهيّاً. لعل ادارة المكتبة في عهدها الجديد تحقق رغبة الحاج محمد مدبولي رحمه الله. ص.ب 45032 جدة 21512 فاكس: 26780952 "966"