تقلبات الجو في هذا الشتاء، وموجة البرد غير المعتادة في أوربا، كانت محور حديث الجيران في لقائنا الأسبوعي يوم أمس الأحد بعد انقطاع عنه لعدة أسابيع بسبب رداءة الأحوال الجوية. وتساءل الجار فرناندو عما إذا كانت موجة البرد هذه هي حقيقة أم أن تقدم معظمنا في العمر هو السبب في هذا الشعور؟ فطمأنتنا رشا بأننا ما زلنا في عز الشباب إذا ما أخذنا بالحسبان شباب القلب ونبل العواطف، ودليلها ما قدمه بعضنا من عون ومساعدة لمنكوبي الزلزال في هاييتي والسيول في قطاع غزة وفي سيناء مصر وأسوانها، وذكرت بالخير أولئك الذين قاموا بتجهيز كميات من الأدوية والمواد الغذائية وأرسلوها إلى المناطق المنكوبة، وأضافت أن الآمال لا تزال معلقة على تفعيل المساعدات التي وعد المجتمع الدولي بتقديمها لإعادة تعمير غزة، وأثنت على جهود الأونروا في بناء بيوت من الطين فوق أنقاض العمارات والمساكن التي كانت قائمة قبل الحرب، وتساءلت عن مبررات استمرار الحصار ومنع دخول الأسمنت والحديد لإعادة المباني كما كانت عليه، فليس من المنطق أن تبنى على أنقاض مبنى كان يسكنه عشرات الأسر بيت واحد من الطين لا يكفي إلا لأسرة واحدة. أمنت والدة رشا على كلمات ابنتها وأضافت أنه لا بد من عمل شيء يعيد القضية إلى مسارها التفاوضي من أجل قيام الدولتين وتمنت أن يكون بوسع أسبانيا وهي على رأس البيت الأوربي القيام بخطوات مساندة للخطوات الأمريكية إن لم تكن أقوى منها لما بين أوربا والعالم العربي من علاقات وتاريخ مشترك من جهة، ولما بين أسبانيا وفلسطين من وشائج مقدسة من جهة أخرى. وتمنى والد رشا أن تقتفي أسبانيا خطوات تركيا التي تبذل الجهود لدعم الحق العربي والفلسطيني دون المساس بحقيقة وجود إسرائيل كدولة قائمة، واستدل على ذلك بجولات الوساطة التي قامت بها تركيا لاستعادة سوريا هضبة الجولان، وفي استنكار تركيا العدوان الإسرائيلي على غزة. وهنا عاد الجار فرناندو للحديث وليوضح أن تركيا اليوم تمكنت من أخذ دورها الإقليمي بعد أن استعادت عافيتها وتحررت من تداعيات سقوط الخلافة وحساسية العلاقات مع الجوار، وبعد أن ارتقت إلى الدولة السابعة عشرة اقتصاديا في العالم، وأضاف أن قادة تركيا اليوم يعيدون للأستانة بعضا من مكانتها الأدبية والدينية لما كان للأماكن المقدسة من دور في قوة الإمبراطورية العثمانية وانتشارها في شرق أوربا، وإن زالت الخلافة اليوم فإن أخوة العقيدة لا تزال جذوتها مشتعلة في قلوب المؤمنين من الأتراك. هنا عاد والد رشا للتحدث فأيد تحليل الجار فرناندو للدور التركي وأضاف أن علينا نحن الأسبان أيضا أن نتخذ من ماضي قرون التعايش العربي الأسباني الذي أعطى لبلدنا مكانتها المرموقة في جميع الميادين وعلى مدى ثمانية قرون، وألاَّ نتهاون وألاَّ نألو جهدا في الضغط على حكام إسرائيل للدخول في مفاوضات جادة مع الفلسطينيين تكون بدايتها رسم حدود الدولتين للحفاظ على ما تبقى من القدس، يتبعها التفاوض على بقية الإشكاليات وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وأي تأخير في إقامة الدولة الفلسطينية سيترتب عليه توسع ما نسميه نحن في الغرب بالإرهاب ويسمونه هناك بالحق المشروع لتحرير الأرض وسيمكن الخارجين على القانون من توسيع رقعة عصيانهم تحت شعار تحرير المقدسات في فلسطين وطرد الغزاة من أرض الإسلام. وهنا أعلنت رشا انتهاء وقت جلسة الحوار ودعت الحضور للانصراف إلى بيوتهم فقد حان موعد الغداء.