إذا أغرتك الدروب ذات مساء وأصابك سحر القهوة وقررت أن ترتشف كأساً منها في مقهى يتوسط أحد مولات مدننا الكبيرة فحبذا لو تهيأت مسبقاً لكبتِ وإخماد كل ثورة غضب قد تعكر صفوك من مشاهدات اليوم وكل يوم من تلك الظواهر المتفشية والتي تنم عن تجذر ثقافة التقليد الأعمى دونما إدراك لغاية ماذا نريد أو عن ماذا نبحث , هناك ستجد من يصنف الناس بطريقة عجيبة ويرى بأن صفتي النقص والعيب سترافقه إن لم يتوفر لديه ما يتوفر لدى غيره يعني بالبلدي "ما أحد أحسن من احد" ليبدأ في غربلة نفسه وأهله في سبيل تشبهه بغيره مهما كلفه الأمر . من هنا يمكنك أن تعرف معنى السطحية كمصطلح تقديري يعكس دلائل ملموسة عن وعي المجتمع وقيمته وجدير بك أن تتوقف عند عدد من السلوكيات الخاطئة في ظل غياب المنهج التربوي السوي ولعل من ذلك ظاهرة (البلاك بيري ) كتقنية اتصال حديثة كان من الأجدى أن تستخدم في نطاقها الصحيح والذي يقدم خدمات مميزة وعملية جداً والبلاك بيري عبارة عن جهاز نقال يقدم خدمات عدة منها الماسنجر بكافة أنواعه ( برنامج محادثات ) وخدمات البريد الإلكتروني والرسائل الصوتية والاخرى متعددة الوسائط وبرامج الملتميديا وتطبيقات الأوفس وخدمة تصفح المواقع والمزيد من النقاط المطورة فيه , وجاءت فكرة ابتكاره لمساعدة رجال الأعمال وكبار المسئولين ممن تتسع دائرة أعمالهم اليومية مابين اجتماعات وزيارات وتنظيم مواعيد وإنهاء إجراءات ضرورية في شؤون الاقتصاد والتجارة ولكن ومع أتساع خدمات الماسنجر هذه سرعان ما انتشر البلاك بيري بين فئات المجتمع وأصبحنا نلحظ مدى تأثيره كوسيلة ناجعة لانتهاك الخصوصيات والعبث والدردشة والتباهي ومنها إلى نشر الفضائح والشائعات والترقيم وتصفح المواقع دونما رقابة . بطبيعة الحال لا يمكننا أن نتخلى عن استخدام التقنيات المتطورة لكن العلة نجدها في طريقة الاستخدام الخطأ وما يرافقها من تجاوزات مشينة وهذه مشكلتنا مع كل جديد يجتاح مجتمعنا فغياب الوعي والثقافة المثلى هما الدافع لظهور هذا الهوس الغير مبرر . إن ثقافة الاستخدام السليم تعكس مدى الرقي بين المجتمعات وأحسب أن الغالبية من الأوربيين لا يعيرون هواتفهم النقالة ذلك الاهتمام وهذا لأنهم لا يعتبرونها سوى وسائل اتصال ولا يمكن أن يجعلوها مقياسا للمظاهر العامة والبهرجة وهنا يكمن الفرق وتتجلى أبعاد ثقافة الاستخدام ولذا نراهم يعيشون في حالة انسجام فكري وثقافي مع كل جديد . في الحقيقة أن هناك دهشة حول هذا الهوس الذي يكسر كل القيود العرفية والاجتماعية وحتى الدينية وأمام قرار هيئة الاتصال وتقنية المعلومات حول إلغاء خدمة بلاك بيري ماسنجر والذي لا أعلم هل سينفذ أم انه في طور الدراسة كنت قد تضايقت في بداية الأمر وذلك لأنني ضد أساليب المنع والحجر وتعقيد الناس لكن هذا الواقع المرير كان ومازال سببا في تبدد الكثير من قناعات الماضي بل وذهابها مع إدراج الرياح وذلك كلما صدمتنا حقائق مجتمعنا وتقلباته وكفى. [email protected]