لماذا يتدهور الأداء الوظيفي في بعض الأجهزة الحكومية ويتدنى أداء موظفيها؟ هذا السؤال وجد اهتماما إن كان من الجهات المعنية بالإدارة أو من باحثين أفراد .. ومع ذلك لم يجد صدى له في الواقع. السبب أن بعض القيادات الإدارية لا تؤمن في الأساس بمناخ العمل ومحفزاته .. ولا بحق الموظفين في الاستقرار النفسي .. ولا تتخذ قراراتها إلا فيما تراه هي وليس وفق طبيعة الأعمال الوظيفية وطبيعة الموظفين ونقاط التميز في كل موظف. أعتقد أن لدينا نماذج عديدة لا تهتم بمثل هذه الأمور ولا في قناعاتها وثقافتها الإدارية مثل ذلك، ولا تشغل نفسها بما تطورت به نماذج أخرى متقدمة بدأت نجاحها من قاعدة الموظفين بتهيئة سبل استقرارهم النفسي والوظيفي .. باختيار الرجل المناسب للمكان المناسب ومحفزات العمل .. وهي القاعدة الذهبية لنجاح أي إدارة وسلامة سفينة العمل وبلوغ أهدافها. كثير من أعراض التدهور الإداري والفشل الذي يصيب بعض القطاعات الحكومية يأتي من هذا الباب وقد اتسع الخلل بما يجعله سببا لأخطاء وخسائر فادحة تصيب التنمية والاقتصاد بتدني الأداء الوظيفي الناجم عن تدني نفسية الموظف وقتل رغبته في العمل. مثل هذا الخلل ينعكس على كل مراحل العمل .. وهذه حقيقة .. إن كان في الخدمة فإنها ستسوء تجاه المراجعين .. وإن كان في العمل الميداني فلن يكون له أثر .. وإن كان في أعمال إدارية فسيكون شعارهم "لماذا لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد" ويتسلل الفساد هكذا في كل عمل يوجد فيه موظفون محبطون، وما أكثر مظاهر الإحباط. بكل أسف النظرة السلبية والانطباع العام عن ضعف الأداء في الأجهزة الحكومية حتى مع وجود نماذج رائعة في النجاح الإداري والإنجاز، إنما هي محصلة أخطاء شائعة في الإدارة بتجاهل أسباب استقرار الموظف وغياب المحفزات، وقتل روح الإبداع، ولا تخفى علينا نماذج وتجارب كثيرة من ذلك في الماضي والحاضر وستستمر ما بقيت مثل هذه الأساليب الإدارية التي تنزع أهم مقومات الانتماء للعمل. أعتقد أن الأنظمة الخاصة بالعمل الحكومي تراعي كل صغيرة وكبيرة لضمان نتائج أفضل بدءًا من الشفافية والنزاهة وحتى حقوق الموظف .. ولكن التطبيق لا يشمل كل تلك التفاصيل الكفيلة بتحقيق الجودة، ويهمل أساسياتها .. وفي مقدمة ذلك غياب البيئة السليمة للعمل وكف النظر وصم الآذان عنها. الموظفون على مختلف مستوياتهم الوظيفية هم أساس هيكل العمل وأداته وعقله وأذرعه، فكيف يستقيم إذا عانت أي إدارة من تخبط وعشوائية وزيادة الضغوط على الموظفين، وعدم الاستفادة المثلى من قدراتهم؟ ومثل تلك البيئة والأساليب هي أول ما تتفاداه الإدارة المتطورة .. لأنها تدرك أن استقرار الموظف وكيفية تحفيزه والاستفادة من قدراته وخبراته هي أولى أسس الذكاء الإداري وليست ترفا. إن أفكار التحفيز للموظف متعددة ومتجددة إذا انتبهت القيادات الإدارية إليها وتستطيع أن تأخذ أقصى ما عند الموظف من جهد وإبداع وأفكار وإخلاص .. وهي صعبة وبعيدة المنال لمن يلغي البعد الإنساني في الإدارة مهما أبدى من شكليات تجميلية، لأن إحباطات الموظفين تكون كجبل الثلج الذي ذابت قمته وبقيت قاعدته خطرا على سفينة العمل. نقطة نظام: لا تغلق بابا يعجزك فتحه ثانية