اذا سلمنا جدلاً بأن السفر "قطعة من نار" فإنه له ايضا متعة لا تضاهيها أي متعة فهو بجانب انه استزادة لمعلومات أكبر كانت خافية على أذهاننا قبل الولوج في أية رحلة فإنه ايضا فرصة لملاقاة وجوه جديدة والتعرف عليهم وفي أكثر الأحايين فرصة أكبر لروابط انسانية وصداقات متينة تدوم على مر السنين فالانسان بطبعه تواق لمعرفة الجديد والتوغل في المجهول للتنقيب عن مصادره والإلمام بقدر الامكان لما يطويه هذا المجهول من خفاياوالاسفار هي أحد العوامل التي تساعد الانسان في طي المجهول ومعرفة الجديدومن هنا فان حب الانسان للتسفار كانت غريزة كافية منذ الأزلفما تلك الرحلات التي ابتكرها أجدادنا منذ القدم ما هي إلاَّ بحث للمجهول في هذا العالم الرحيب فأطلقوا أشرعتهم صوب المجهول ليدركوا الحقائق عن كثبوبالرغم من بدائية وسائل الانتقال في ذلك الوقت فإن الرغبة في طي المسافات عن طريق الدواب حيناً وبالأقدام أحياناً كانت هاجساً تداعب خلجات اسلافنا والآن بعد أن تطورت هذه الوسائل ودخلت عليها "التكنولوجيا" بشتى صورها. ومع تعدد هذه الوسائل وتطورها فإن هناك اختلافاً بين الناس في تفضيل وسيلة دون أخرى فالبعض يفضلون السفر جواًوذلك لسرعة الوصولأو غيرها من الأسباب والبعض يفضلونه بالبحر طلباً للسكون والهدوء والتمتع بمشاهدة البحار والمحيطات وهناك من يحب السفر بالناقلات البريةكالسيارات مثلاً. القليلون هم الذين يحبذونه بالأقداممثل الرحالين وهذه بالطبع حالات نادرة والمهم هو قطع المسافاتوان كان بحراً أو جواً أو براً فالسفر في كل الحالات "جميل" لأنه يعطينا انطباعات جديدة وأنا واحد من أولئك الذين يتوقون للسفر ويتمتعون بمشاهدة المناظر الجميلةلذا دائماً امتطي جناح أية غيمة لأحلق في هذا "الوجود" وكثيراً ما كنت اتخذ الجو أو الطائرات لهذا الغرضولكنني في رحلة بحرية قمت بها أخيراًاكتشفت أن لمثل هذه الرحلات متعة كبيرة فهي بالإضافة إلى متعتها فرصة لتدبر هذا الكون وقدرة الخالق جلا وعلا في ابداعاته المتناهية سبحانك اللهم ما أجلك وما أعظمك يا أكرم الأكرمينفقد كانت رحلة بحرية في غاية الجمال تضم مجموعة من الرفاقرأينا فيها بأم عيوننا على هذا الابداع الكوني من حيث المخلوقات التي يعج بها "البحر" فالحيتان بألوانها واشكالها المتنوعة تطفح على السطح حينا وتنغرس للعمق أحياناً فبدأت أتأمل هذا المنظر البديع وأتدبر في قدرة مولاي الخالق بديع السموات والأرض شيء جميل لقدرة ربي تبارك وتعالىوالتنسيق الممتع لتحركات هذه المخلوقات الصغيرة في أحشاء هذا البحر . ولا غرو أن هذه الأمواج المتلاطمة التي تترنح لها السفينة تحمل ايضا في طياتها كنوز من الأصداف والمحاربجانب رونق الماء وهو يعلو تارة وينخفض تارة أخرى انها لحظات بديعة قضيناها وسط البحرنتأمل هدأة الليل بينما النجوم المتناثرة تزين السماء كأحلى درر والسكينة تلف الأجواء وتكسوها بغلالة من الهيبة والوفاء فتنعكس معالم الجمال في صورة تدعو للتأمل والحيرة معاً ونتدبر فيها ابداعات رب الكون في هذا الوجود اللا محدود. الحكمة : التدبير نصف المعيشة. للتواصل 6930973