أقول لكل أب وأمّ إن الحياة مع الإبن ليس معناها إعطاؤه أساليب الحياة،وليس معناها أن تحيا لأجله فإن الحياة لأجله وحدها معناها التضحية له، إن ما أُريد أن أُنادي به هو أن نحيا مع أولادنا لأن الحياة معهم معناها أن يُدرك كلاً منهم الآخر ويتقبله بعلاته بما فيه من نقائض وأخطاء. وأن نقف إلى جواره خلال لحظات الصراع ولا نتخلى عنه. وأن نمنحه المزيد من الحنان في لحظات الهلع وثورة الغضب وطيش الشباب وأن نمتعه بلحظات الحبّ والتفهم والوئام وهذا ليس وقفاً على الوالدين فحسب بل للمدرسة نصيبٌ وافر في عملية التوجيه فالمدرسة ليست مكان تحصيل للمعرفة وكسب للمهارات فقط بل إنها إضافةً لذلك فهي بيئة كاملة متكاملة للنمو تُكتسب فيها الميول وتظهر الاتجاهات وتُمارس العادات وتُوجّه المفاهيم،فالمدرسة تنمي العقول وشخصية الطالب وتوجّه سلوكه ونقول للأب والمدرس معاً إن الأبناء في أحيانٍ كثيرة يشعرون بمشاعر وأحاسيس متضاربة تجعلهم يتصرّفون كالمجانين،من أجل هذا كان من مستلزمات معاملته أن نُحاول ككبار فهم دوافع السلوك التي تجعله يقوم ببعض الأعمال المفزعة له والمقلقة لنا ككبار،ولا أشكُ أن سياسة إملاء أسلوب معيّن على الإبن وعلى الطريقة التي يجب أن يسلك بها مع الآخرين هي سياسة تقومُ على الأمر والنهيّ والإحباط دون فهم البواعث الكامنة التي تدعوه إلى اتخاذ هذه الاستجابات العنيفة غير المقبولة. وأعتقد جازماً أن هذه السياسة الإحباطية هي من شأنها أن تزيد من ثورة الغضب والتمرد والعصيان وعدم احترام المشاعر الصادرة عن الأُسرة. أهمُّ ما أريد الوصول إليه في مقالتي هو أننا في حاجة إلى أن نُمرن أنفسنا على أن نُتيح لأبنائنا فرصة إبداء الرأي والتعبير الصادق عن مشاعرهم وآرائهم فينا وفيما نُصدِّره إليهم من أوامر ولا بد أن نتوقع في أحيانٍ كثيرة أن الأبناء قد يشعرون نحونا بمشاعر سلبية ، وعلينا أن نعالج هذا بشيءٍ من الحكمة وعدم الإشعار بالذنب حتى نتيح الفرصة لهذه المشاعر لتظهر على حقيقتها وبصورة سويّة. لأن الإنسان السويّ قد يكره أحياناً ويحبُّ أحياناً ويبهرُ أحياناً ويُعجب أخرى. وهذا أمرٌ طبيعي فإذا لم نُحقق لأبنائنا ذلك فإنهم قد يوجّهون مشاعره ضدّ الوالدين، ويأخذ ذلك صوراً متعددة من العصيان والتمرد والهروب من المنزل وأحياناً السرقة من أفراد الأسرة للتعبير عن الكُره.ويجب أن نُسدد ونقارب ونكون متسامحين في غير ضعف ومتشددين في غير عنفٍ أو إكراه. وهناك قولٌ مأثور يقول: ((لولا المربّي ما عرفت تُربّي))، وهذا معناه حكمة المربي في التعامل مع الأبناء فتارةً لا يُجدي سوى الحزم والجدّ وتارةً لا يُجدي سوى اللِّين والرِّفق، فلا تختلف عقلية الطفل عن عقلية المراهق سوى باعتداده بذاته وظهور النرجسية لدى المراهق وفي كلتا الحالتين كلاهما يبحثان عمن يفهمهما ويقدِّر حاجاتهما ويسعى لتحقيق رغباتهما. فهل أيُّها الأب الكريم والمدرس الحصيف تركت إبنك يعبر عن نفسه ويقول ما يشعر به تجاهك وتجاه أسرته ومدرسته ومجتمعه، فالتفُّهم نصف الإدراك، والإدراك كل الحلول. ونقول رحم الله امرئٍ حمل ابنه على طاعته.