الحديث عن المعلمين لا يتوقف لأنهم يمثلون النسبة الأعلى من بين أصناف المهن الأخرى إلى جانب دورهم الحيوي في البناء الحقيقي لأي أمة من الأمم ، وهم أيضاً ركيزة التقدم ومفتاح التطور وبوابة العبور لبناء أي مجتمع . ومتى أنصف ومُنح استحقاقه انعكس ايجابياً على عطائه، إلا أن بعض الإجراءات المطبقة حالياً في الصرف المالي عند تقاعده ونهاية خدمته الوظيفية فيه بخس لحقه وهضم لجهده وتجاهل لعطائه. ويمكن أن نبين من خلال هذا النموذج : معلم أمضى ثماني وعشرين عاماً في سلك التعليم وبعد هذه الخدمة المديدة منحته وزارة التربية والتعليم مكافأة نهاية خدمة ومقدارها 56 ألف ريال لا زيادة عليها أي تم احتساب مبلغ ألفي ريال عن كل عام وهذا نظام معمول به لكل معلمي بلادنا ومن يظفر بإنهاء ثلاثين عاماً فسوف تزيد المكافأة إلى 90 ألف ريال أي احتساب ثلاثة آلاف ريال عن كل سنة . ولو قارنا هذه المكافأة طبعاً الزهيدة جداً مع ما يكتنفه من متاعب صحية ونفسية لأدركنا أن هذه المكافأة غير مجزية أبداً . وأظن أن تلك العبارات الرنانة التي عادة تطلق على المعلم لا تخفف شيئاً من تعبه ، كقولهم المعلم مربي الأجيال وصانع المستقبل وفارس الميدان التربوي وصاحب الامتياز العقلي ومضيء العقول البشرية والمؤتمن على فلذات أكبادنا . حين ينظر المعلم إلى ماحوله من موظفين في بعض الشركات يشعر بالغبن إذ إن احتراقه اليومي .. لم يشفع له المساواة مع غيره من موظفي شركات البطاقة الذهبية ولا يعني أن المعلم ينظر بعين الحسد لمن زاولوا عملاً وظيفياً لربع المدة ويتقاضون مكافأة الخدمة تزيد أربعة أضعاف مكافأة المعلم .. أما إذا تساويا في مدة عملها 25 عاماً فسوف تكون نهاية الخدمة لموظفي شركة البطاقة الذهبية 21 ضعفاً عن مكافأة المعلم . ولا يختلف اثنان أن جميع القامات الوظيفية السامقة لم تصل إلى مواقعها إلا بعد أن مرت على حجرات الدرس ، وللمعلم الفضل بعد الله . المجتمع لا ينكر جهد المعلم ، بل يقدره ويثمنه ، إلا أننا لم نلحظ فعلاً ملموساً كتخفيض قيمة تذاكر السفر أو قيمة تكلفة العلاج في المستشفيات الخاصة أو ما شابهها. ويرى بعض المعلمين أن إصرار وزارة التربية والتعليم تحديد مكافأة ثلاثة آلاف ريال لمن يمضي أكثر من ثلاثين عاماً ما هو إلا أسلوب لتكبيل المعلمين ، وإجبارهم على إمضاء هذه المدة ، والدليل على ذلك الأعداد الكبيرة من المعلمين الراغبين في التقاعد بعد ثلاثين سنة خدمة ، ويخرج المعلم بعدها وقد أبيض شعر رأسه وتآكلت ذاكرته وكلّ نظره وزاد عدد مواعيد مراجعاته للأطباء . اعرف وغيري أن ووزارة التربية والتعليم تدرك قبل غيرها أهمية دور المعلم إلا أنها لم تحرك ساكناً فهل يطل يوم يهل فيه ورود الفرح وتباشير السعادة من أجل إنصاف المعلم الشمعة التي تحترق لتضيء دروب الآخرين