وتتطلب معالجة هذا الوضع ضرورة اتفاق دول العالم الإسلامي في برامجها وتشريعاتها على سياسات تهدف إلى ترتيب شؤون البيت الإسلامي الداخلية، بتحبيذ رعاية التيارات الإسلامية المعتدلة التي تواكب أفكار العصر، وتوحيد المرجعيات الدينية الفقهية وتحديدها بغية حصر من يحق له أن يُفتي في النوازل من وجهة النظر الإسلامية الشرعية، بما ينسجم مع شروط الاجتهاد وشروط الفتوى في الدين الإسلامي. كما ينبغي أن نشيع في مجتمعاتنا الإسلامية ثقافة "التسامح" بالمعنى الإسلامي. ويقودنا هذا كذلك إلى ضرورة تبنّي تعريف واضح "للجهاد" في الإسلام وشروطه الموضوعية ودواعيه ومصدر إعلانه، طبقا لما هو وارد في كتب الفقه، وذلك حتى يتميز الجهاد الحقيقي من الإرهاب. وأضحى من الضروري أمام تفاوت مستويات التنمية في العالم الإسلامي تفعيل مبادئ التكافل والتآزر الإسلاميين لتقوية عرى الأخوّة الإسلامية، وذلك بتنشيط آليات التضامن الإسلامي، كمؤسسات جمع الصدقات وتحصيل الزكاة وموارد الأوقاف الخيرية الإسلامية، وتأطير المؤسسات ذات الطابع الاجتماعي في المجالات المختلفة، كمراكز محو الأمية، وعلاج الأمراض، ومحاربة الفقر، وإنشاء صناديق إسلامية لهذا الغرض يسهم فيها المسلمون كافة بتبرعات سنوية زهيدة، ولكنها تتيح جمع مبالغ طائلة لتحقيق هذه الغايات التي ترمي إلى إنقاذ العالم الإسلامي من التخلّف والجهل وتفشّي الأمّية، وإنشاء مراكز عالية للبحوث في المجالات التكنولوجية والعلمية المختلفة، وتقديم منح للطلبة المسلمين المبرزين في مجالات العلوم للدراسة في أحسن المعاهد العليا المتخصصة في العالم، وتدشين جامعات مفتوحة في أرجاء العالم الإسلامي. إن العالم الإسلامي يمر بوقت عصيب ومرحلة استثنائية غير مسبوقة في تاريخ أمتنا، والظروف الاستثنائية تقتضي تحركا استثنائيا وعملا جادا وردا مناسبا، وأية استراتيجية تمكّن الأمة الإسلامية من مواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين التي أسلفت ذكر بعضها، لا بد أن تنطلق من استيعاب هذه التحديات واستشعار خطورتها والجدية في التعامل معها، والبدء في التخطيط لمسار وهياكل تجمع الجهد الإسلامي على الأصعدة السياسية والاقتصادية والدفاعية. ومن هنا كان بدء اجتماعات لجنة النخبة من رجال الفكر المسلمين في بوتراجايا أخيرا، نقطة انطلاق جديدة لعمل إسلامي مشترك، نطمح معه أن يؤسس لجهد إسلامي فاعل متنور، يستلهم منطق العصر وأساليبه، ويستند إلى التراث الإسلامي بثوابته الأصيلة، لرسم اتجاهات جديدة تساعد العالم الإسلامي على مواجهة تحديات العصر، وتقوده إلى وضع جديد من التعاون والتضامن والتكافل ووحدة الصف والكلمة. ونسأل الله أن يكتب لهذا العمل الرائد، توفر الإرادة السياسية لدولنا لتنفيذ توصياته، إذا ما أردنا أن يكون لأمتنا الإسلامية شأن في هذا العالم، أو كلمة مسموعة، أو رأي يعتدّ به. وحين يجتمع لنا كل ذلك وتتوافر لدولنا الإرادة السياسية والإجماع على العمل المشترك، يمكننا أن نستبشر بأننا بدأنا نخطو على الطريق المؤدي لمواجهة هذه التحديات والتغلب عليها بإذن الله.