في مقاله الإثنيني "رأي آخر" تناول الدكتور محمود بترجي حملة أطلقها شبان سعوديون على الشبكة العنكبوتية تحت شعار "السعودية للسعوديين .. أيها الأجانب اذهبوا لدياركم" وقد أعجبني طرحه ككل ما يتناوله بجرأة وشفافية وفكر منفتح لا يضيق بالآخر إنسانا أو رأيا . الدكتور محمود أشار إلى أنه يشتم رائحة عنصرية في تلك الحملة وشعارها الذي يبدو ثقيلا ويدخل ضمن نبرة التمييز ، وقد أحسن بموضوعيته عندما أشار أيضا إلى تأكيد المملكة على عدم التمييز العنصري وأنها تولي ذلك أهمية بالغة وتعمل على الحيلولة دون حصوله . إذن نحن هنا أمام حقيقة واضحة هي أن منتدى إلكتروني أو مدونة تحمل دعوة بأن تكون "السعودية للسعوديين وأن يذهب الأجانب إلى ديارهم" لا يعني أن الدولة تتبنى مثل هذا الطرح والدليل العملي أن نسبة الوافدين تمثل 27% من السكان طبقا لتصريح نائب وزير العمل الدكتور عبد الواحد الحميد في ندوة "هل السعودة عنصرية" التي أقيمت في النادي الأدبي بالرياض . وبالمناسبة من الجيد أن تطرح ندوة بهذا العنوان والمضمون . لقد كفانا كاتبنا العزيز إعادة تأكيد تقديرنا للإخوة الوافدين اعترافا بدورهم في التنمية منذ انطلاقتها المباركة وتوسعها .. وهم يستحقون أموالهم حلالا لهم وحقوقا ومزايا تحميها الأنظمة والقوانين والعدالة ، ولا نستكثر عليهم أرزاقهم والدليل حجم التحويلات القريبة من التريليون ريال ،ومن استعصى عليه حقه يلجأ للجهات المختصة ليناله حتى لو جف عرقه شهورا وهي استثناءات خاطئة ومرفوضة ، بل وازن أن سياحتنا الخارجية تهدر ما يقارب هذا المبلغ أيضا ، لكنها قضية أخرى لا تبرر موضوعنا . لذلك ليسمح لي حبيبنا الدكتور محمود بترجي بأن أسجل رأيا آخر لا يذهب إلى حد شعار تلك الحملة "أيها الأجانب اذهبوا إلى دياركم" وإنما بمبدأ "السعودية للسعوديين أولا" وأولا هذه مهمة لو طبقتها بعض الأجهزة الحكومية ومعظم القطاع الخاص لكانت المسارات مختلفة إن كان بالنسبة للبطالة بين شبابنا وبناتنا ، أو في حجم التحويلات التي لا يختلف أحد على أنها تشكل استنزافا حادا للاقتصاد الوطني . فالقضية هنا في نسبة الوافدين الكبيرة ولا يبررها ويمنحها قبولا أننا نحن من نستقدم وبالتالي هذا يحتاج إلى التزام وتصحيح بإجراء حازم من الدولة وقد حاولت وزارة العمل ، لكنها تكتشف بين يوم وآخر متاجرين بالتأشيرات ومتسترين وتلاعباً بنسبة السعودة وبياناتها (على الورق) في العديد من المؤسسات ، بل الأدهى مؤسسات وهمية وعمالتها موجودة في البلد ، ثم نتساءل عن اسباب ارتفاع مؤشرات الاستقدام . أولا وكما قلت نحن لا ننظر بعين الحسد للتحويلات ولا أن أصحابها لا يستحقونها وإنما المسألة : هل بلادنا بحاجة إلى هذا العدد الهائل الذي يفوق ربع عدد السكان .. والصحيح والأجدى أن تكون نسبة الوافدين ربع عدد القوى العاملة ببلادنا وتزيد حسب الاحتياج الفعلي والحقيقي وبالتخصصات والمستويات المطلوبة للاستفادة المتبادلة .. وأعتقد لو تم تصنيف شرائح الوافدين سنجد أكثر من نصفهم يستفيدون من طرف واحد تحت التستر أو العمالة السائبة في السوق والكفالة على الورق والكفيل يأخذ الثمن و(الغلّة) شهريا أو سنويا .. فأين مصلحة الوطن وأبناء الوطن المحتاجين للعمل . أما ثانيا : فهو عن بعض أجهزتنا الحكومية التي أسرفت في الاستقدام لكن بشكل آخر ، فإذا كان بعض إخواننا المواطنين (تجار التأشيرات) يضرون بسوق العمل ويملأونه بكل من هب ودب ، فإنه من المؤسف حقا أن نجد جهات حكومية لا تقل إضرارا .. مع الفارق أن تاجر التأشيرات يضع ثمنها في جيبه .. أما الجهة الحكومية فتدفع من مال الدولة ، والذي لا يدفع من جيبه يضع أرقاما وأصفاراً كما يشاء ويجامل ويخدم على حساب اموال الحكومة. بلغة الأرقام إذا كان مواطن يستقدم عشرة أفراد (وهذا رقم متواضع) ويحصل منهم على 150 ألف ريال ولا يتحمل تجديد إقامة ولا رخصة ولا علاج وكله على حساب (الزبون) فإن جهات حكومية تتحمل في المبلغ لكن في الشهر الواحد ..وكله على حساب الدولة . لقد أوضحت ذلك في مقال سابق ودللت بمثال في أمانة محافظة جدة ، حيث استقدام موظفين من احدى الدول العربية للعمل في العلاقات العامة والإعلام وغيرها وبرواتب زائدة الكرم تتجاوز العشرة آلاف للفرد الواحد وفي الشهر الواحد .. وبدلات وعلاج خمسة نجوم وسيارات مستأجرة بأموال عامة تحت تصرفهم 24 ساعة في تنزهاتهم واعمالهم إن كانت لهم اعمال.. مما يجعل حال السعودي يقول "امنحوني الإقامة" من فرط تمنيه لمزاياها. هنا أسأل حبيبنا وصديقنا العزيز الدكتور محمود بترجي وأسأل الجهات الحكومية التنفيذية والرقابية : ما الذي سيفيد بلدنا ويفيد خطط جهة حكومية مثل الأمانات من تخصصات وخبرات عادية لا هي نادرة ولا فيها عبقرية لا نعرفها ولا اعجاز نفتقده ، حتى يستقدموا أعداداً وبرواتب لا يتحصل عليها استاذ الجامعة. هذا يعيدنا إلى جوهر القضية بمبدأ "السعودية للسعوديين أولا" إن كان في القطاع الخاص أو في جهات حكومية تبذر وتهدر أموال الدولة لتصبح أرقاما في التحويلات للخارج رغم وجود الكفاءات الوطنية وأكدت ثقتها في المواطن (أولا وثانيا) في كافة المجالات والدليل أمانة الرياض التي فازت بجائزة أفضل أمانة وأفضل أمين على مستوى عواصم ومدن عربية وغير عربية وانفتاحها على الأفكار العالمية بعقول سعودية . خلاصة القول : أن الخلاف ليس على حق الإخوة الوافدين في أموالهم وإنما هذا الحق لا يلغي أخطاء إسرافنا في أمرنا بشأن الاستقدام والتحايل على السعودة في القطاع الخاص .. والأخطر والأغرب أن يحدث ذلك في جهة حكومية دون مبرر وخلاف ذلك أتفق مع كاتبنا القدير الدكتور محمود بترجي . فقط أردت أن أوضح الجانب الآخر من الصورة وإكمال الدائرة ، وكما يؤكد معالي وزير العمل ومعالي نائبه "الأقربون أولى بالمعروف" والمعروف هنا أراه واجبا تجاه حق المواطن أولا.. في الثقة به بدلا من الظلم الذي يجعل البعض يقول "امنحوني الإقامة" أو بعضا من حظها . ** نقطة نظام : قال حكيم : " كن عادلا قبل أن تكون كريما". [email protected]