أوضحت الأزمة الاقتصادية العالمية أن الغرب يجب أن يكف عن غروره واستكباره، وأن يتعامل مع حقائق واقعية جديدة أهمها أن الإسلام يمكن أن يشكل الأمل لكل البشرية، وأنه يستطيع أن يقدم حلا لهذه الأزمة، وأنه يمكن أن يبني عالماً جديداً تتحقق فيه أحلام الإنسانية في العدالة والحرية، وأنه يمكن أن يبني نموذجاً جديداً للحياة. وعلى الغرب أن يعترف بأن الرأسمالية هي التي صنعت الأزمة وأنها لا يمكن أن تحلها، وأن ضخ الأموال في البنوك والشركات المفلسة سوف يزيد حدة الأزمة، وسيطيل في عمرها، وسيؤدي إلى زيادة الفقر والبطالة وانهيار اقتصاديات الدول الضعيفة. إسهام حضاري جديد الأزمة الاقتصادية العالمية أصبحت تحتاج إلى حلول غير رأسمالية تنتجها عقلية حضارية لا مادية، وعلى الإنسانية أن تتمرد على الرأسالمية وتثور على النظام الاقتصادي العالمي الذي قام على أساسها لكي تتوصل إلى حلول صحيحة لهذه الأزمة الاقتصادية. وهذا سوف يفتح الطريق أمام الإسلام ليقدم إسهامه الحضاري الإنساني الجديد في إنقاذ العالم من الكارثة التي صنعتها الرأسمالية. والإسلام يمتلك الآن الفرصة التاريخية ليقوم بإنقاذ البشرية. لكن قبل أن نتحدث عن الحلول التي يمكن أن يقدمها الإسلام للأزمة لابد أن نشخصها بشكل صحيح، فالتشخيص مرحلة مهمة تسبق وصف العلاج، والطبيب الجيد هو الذي يقوم بتشخيص المرض عن طريق معرفة أسبابه وكيفية تطوره قبل أن يصف العلاج. إذا درسنا الأزمة بعمق وفهمنا أسبابها فإننا سندرك بوضوح أن الإسلام وحده هو الذي يمكن أن يبني نظاماً اقتصادياً جديداً على أسس حضارية وإنسانية وأخلاقية، وأن ينقذ البشرية من رأسمالية السلب والنهب والجشع. إدانة النظام الرأسمالي والعقلية الغربية المادية التي قامت بصياغته أهم خطوات البحث عن حل صحيح للأزمة، وفتح الطريق أمام الحضارة الإسلامية لكي تتقدم لحلها بشروطها، وبعد تشكيل البيئة الإنسانية العالمية لكي تتقبل ثقافياً هذا الحل. هل يمكن أن ينكر أحد أن الرأسمالية هي التي صنعت الأزمة، نتيجة التحيز للأقوياء والأغنياء.. وأن النظام الرأسمالي الاقتصادي العالمي كان يهدف إلى زيادة الأغنياء غنى، وزيادة الفقراء فقراً. وهكذا نهبت أمريكا ثروات الشعوب وكدستها في بنوكها، ونهب أغنياء أمريكا ثروات الفقراء، واستخدموها في الاستمتاع بحاية البذخ والترف الفاجر. لقد قام النظام الرأسمالي الاقتصادي على الظلم الذي أصبح أهم السمات التي تميزه، وشهد العالم حالة ظلم عام لم يعرفها طوال التاريخ. لقد ظلمت أمريكا البشر بفرض هذا النظام الرأسمالي عليهم... الكل مظلوم في عالمنا والكل فقير وحزين وبائس... لن تجد أحداً يشعر بالسعادة في ظل هذا النظام الرأسمالي... الكل خائف من غد يحمل نذر المأساة. وحشية الرأسمالية لا أحد يستطيع أن يجادل في أن الرأسمالية العالمية قد تصرفت بوحشية وقسوة وبهدف الحصول على أكبر قدر من الأرباح وتكديس ثروات العالم في أمريكا لاستخدامها في فرض العبودية على البشر. أمريكا ادعت أنها حررت العبيد، ولكن الحقيقة أنها فرضت عبودية عصرية تشكل أبشع وأقسى أنواع الرق على كل الشعوب. فيما مضى كان هناك بعض الأشخاص يخضعون للعبودية، أما اليوم فإن كل الناس أصبحوا عبيداً للرأسمالية، وهذا بالضبط ما أرادته العقلية الاستعمارية الغربية. لقد عضت الرأسمالية الغربية المتوحشة قلب الإنسان وتحكمت في رغيفه ومسكنه، واستغلت قوته الجسدية، وطاقاته العقلية في مقابل بعض الأوراق المالية التي تغريه بإنفاقها على الحصول على لذة جسدية سريعة يعود بعدها للعمل لكي يحصل على بعض الأوراق المالية الجديدة. ليس هناك حرية في ظل الرأسمالية، فكل إنسان أصبح يعيش حياة العبودية، ولكن بدلاً من أن يقاوم ارتضى تلك العبودية الناعمة غير الواضحة. الأخطر من ذلك أن الرأسمالية العالمية لم تستعبد فقط جسد الإنسان ولكنها استعبدت عقله وقلبه ووجدانه وضميره وحياته. وهذا أسوأ شكل للعبودية عرفه العالم. لقد جعلت الرأسمالية أهداف حياة الإنسان محدودة وضيقة وتتلخص في الحصول على أكبر قدر من المتعة الحسية، وتوفير الوسائل التي تحقق تلك المتعة.. وهو كلما غرق في هذه المتع واللذات زاد بؤسه وشقاؤه، وازدادت عبوديته للرأسمالية التي لا ترحم. إن على الإنسان أن يجري طوال حياته بهدف كسب المزيد من المال ليسدد الأقساط وفوائد القروض وما يدخره يشتري به بعض الأسهم أو يخزنه في البنوك خوفاً من الغد الذي سيحمل بالضرورة الكثير من أمراض العصر الغريبة، وأهمها الأمراض ذات الطابع الجنسي الناتجة عن العلاقات غير الشرعية. تسميم البشر ولكي تكسب الشركات عابرة القارات المزيد من الأموال، وتكدس الثروات، قامت بتسميم الغذاء بالهرمونات والمبيدات والتلاعب في الجينات والهندسة الوراثية.. فالغذاء الذي يتم إنتاجه للفقراء يحمل في داخله الكثير من السموم والأمراض العصرية وأهمها السرطان والأنيميا والضغط والسكر والضعف الجنسي. ولكي يواجه الناس تلك الأمراض الفتاكة عليهم أن يبذلوا المزيد من الجهد، ويكسبوا المزيد من الأموال لشراء الأدوية التي تزيد المأساة، وتقلل من مناعة الجسم، فهي أدوية كيميائية رديئة أنتجتها الشركات الأمريكية لتزيد الأمراض. والشعب الأمريكي هو أكثر الشعوب التي حصلت على الرفاهية والترف، فتعود الناس على الاستهلاك ببذخ وسفه.. لم يكن يظن أحد أن ذلك اليوم سيأتي وسيضطر 20 مليوناً من الأمريكيين أن يناموا في خيام في الشوارع، وأن يجربوا مرارة الجوع مثل شعوب أفريقيا التي قامت أمريكا بنهب ثرواتها. إن أهم نتائج الأزمة الاقتصادية أنها هددت المترفين الأغنياء بالجوع والفقر، وجعلتهم يعانون مثل غيرهم من البشر الذين دمر الجوع خلايا الحياة في أجسادهم المريضة. كل ما في الأمر أن الأمريكيين والأوروبيين سيعيشون المأساة مثل 80 % من سكان العالم الذين يعانون مرارة الفقر من سنوات طويلة، ويصرخون دون أن يسمع صندوق النقد الدولي والشركات عابرة القارات أصواتهم. ولذلك فإن 80% من سكان العالم ليس لديهم ما يخسرونه، فقد خسروا كل شيء منذ بداية عصر الاستعمار الأوروبي حتى الآن... وجاء وقت الحساب والعقاب لمن نهبوا ثروات العالم. الشركات والبنوك الأمريكية والأوروبية تعلن إفلاسها تباعاً، وتريليونات الدولارات تتبخر، والكساد يضرب العالم، والفقر يعض البشر بنابه، وأعداد الفقراء تتزايد، ومعدلات البطالة ترتفع، ومعدلات النمو تتناقص، والحكومات تكذب على شعوبها وتدعي أن الأزمة لم تؤثر على اقتصادها المستقر المتين. وما الحل؟ تسألونني ما الحل؟ أقول لكم بكل ثقة إنه الثورة على العبودية للرأسمالية، وهو تحرير البشر من تلك العبودية العصرية، وبناء نظام اقتصادي عالمي جديد هدفه الأول تحقيق العدل والحرية والمساواة. والإسلام هو وحده الذي يمكن أن يحرر الإنسان من العبودية للرأسمالية، ويقدم له نموذجاً للحياة يحقق له الحرية والكرامة. الإسلام وحده هو الذي يمكن أن يبني نظاماً اقتصادياً يقوم على منظومة قيم وأخلاقيات وأهداف حضارية وإنسانية جديدة. الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع أن الرأسمالية تنهار بكل فلسفتها وشركاتها وبنوكها، ولكنها قبل أن تنهار سوف تدفع البشرية بكل عنف نحو هاوية الفقر والجوع والمرض والمأساة والتعاسة. لذلك لابد أن تثور البشرية ضد الرأسالمية، وأن يحرروا أنفسهم من العبودية، والإسلام وحده هو الذي يمكن أن يقود الثورة خلال العقد القادم ضد الرأسمالية والظلم والعبودية والفقر والديكتاتورية. أمتنا الآن تمتلك فرصة تاريخية لتقدم إسهامها الحضاري ولتبني نظاماً اقتصادياً عالمياً جديداً، ويجب أن يقف الغرب بأدب أمام الإسلام، وأن يتعامل باحترام مع حق الإنسان في أن يعرف الإسلام الذي سيشكل للبشرية طوق النجاة من المأساة التي صنعتها الرأسمالية. الشرق القطرية