يرتبط وجود دينكا النجوك في «أبيي» برواية ان صحت أو لم تصح فهي تشير إلى أنهم تحركوا شمالاً من الجنوب باتجاهها فوجدوا مجموعات من قبيلة المسيرية الشمالية العربية فساكنوهم، والرواية تقول ان دينكا النجوك في منطقتهم الاولى بالقرب من مناطق قبيلة النوير القبيلة النيلية هي الأخرى، نشب صراع بينهم ومجموعة من النوير بسبب مهر عروس كان عبارة عن مائة بقرة احداها لها ذيلان بدلاً من واحد كما هو الشئ الطبيعي، ويبدو أن العروسة من الدينكا نجوك قد خطبها احد سلاطين النوير.. وكان المهر المطلوب هو الذي اشرنا إليه وقد استجاب أهل السلطان النويري لتوفير طلب المهر رغم ما يحمله من تعجيز. بعد ذلك ذهب أهل «العريس « لجمع المائة بقرة .. وقادهم ذكاؤهم الخارق إلى أن يشقوا ذيل واحدة من الأبقار حتى يوفوا بما طلب منهم .. وقد حدث بالفعل، وحينما ذهبوا إلى أهل العروسة ليدفعوا لهم المهر «مائة بقرة « احداها بذيلين اندهش دينكا النجوك وقالوا إن «البقرة ام ذيلين» لم تكن لتتوفر لولا أن هذا حدث بفعل الكجور واذا كان الأمر قد جاء بالكجور فإننا لا نقبل المهر وبالتالي لن نزوج ابنتنا لسلطانكم « هذا هو نص الرواية على الأقل من حيث الجوهر . لكن بعد ذلك لم يقتنع النوير بهذا الرد، واعتبروا أن ما حدث من أهل الخطيبة يبقى نقضاً للعهد الذي قطعوه معهم رغم أنه كان عهداً على تنفيذ أمر تعجيزي، أي أن منطق النوير هو مثلما قبلوا هم بالتعجيز في المهر فعلى الدينكا أن يقبلوا بالإنجاز الذي اخترق هذا التعجيز . فنشبت الحرب بين الطرفين إلا أنها انتهت إلى نزوح دينكا النجوك شمالاً حتى وصلوا المنطقة التي تعرف الآن ب «أبيش وكلمة «أبيي» وهي صيحة يطلقها المسيرية حينما يرون أمراً جللاً .. مثل «ابيو « أو «ابيالايقا « عند النوبيين، أو «لا حول ولا قوة إلا بالله « عند المسلمين عموماً . استقبل مشايخ المسيرية المجموعة الدينكاوية التي وصلت إليهم لتساكنهم حتى اليوم، وقد تعايشوا مع بعضهم في أمن وسلام باستثناء احداث وقعت في الستينات من القرن الماضي .. وقد كانت لماماً، لكن بعد اتفاقية نيفاشا فقد قصدت القوى الأجنبية أن تختزل حرب شمال جنوب كما تصورها في منطقة أبيي وكان هذا واضحاً بعد أن حدثت احتكاكات بين المسيرية والدينكا كواحدة من اسوأ تداعيات اتفاقية نيفاشا . وحتى بروتكول «أبيي « الذي تحتضنه الاتفاقية العجيبة لم يتبلور اثناء المفاوضات بكينيا بين الحكومة والحركة الشعبية إلا بعد أن قطعت هذه المفاوضات اشواطاً بعيدة ولم يكن وقتها داع اصلاً لاختلاق قضية لمنطقة أبيي بدليل أن المفاوضات حينما انطلقت في البداية لم تكن «أبيي « ضمن البنود لكن بعد ان تجاوزت المفاوضات نصف الطريق الوعر ألحق المجرم دانفورث ملف «أبيي « اليها . إذن لماذا كل هذا التأخير لقضية هي الآن أمام التحكيم الدولي بلاهاي؟ ! إن الأهمية القصوى لقضية «أبيي « جعلتها مام محكمة دولية لا تطرح أمامها إلا القضايا الشائكة جداً بين الدول مثل قضايا الحدود . ولكن ما هي هذه الأهمية القصوى التي جاء استدراكها متأخراً كما لا ينبغي في طبيعة الأشياء؟ إن الواضح هو أن الحدود المقصودة ليست ادارية ولا قطرية ولا يحزنون، بل هي اقتصادية . إن أمريكا حولت الحدود الادارية البريطانية إلى حدود اقتصادية أمريكية في منطقة «ابيي « لكي تتبع داخل الجنوب من خلال روجر ونتر مستشار حكومتها مواقع النفط اذن قضية»أبيي « تخص بالدرجة الأولى الاستراتيجية الاقتصادية الأمريكية .. أما الحركة الشعبية فهي لا تعدو في هذه الاستراتيجية إلا مطية لتحقيق المطامع الأمريكية كما يدل على ذلك إلحاح دانفورث لانشاء بروتكول «أبيي « في نصف طريق المفاوضات . الانتباهة السودانية