كعادته في كل صباح يستقبل يومه الجديد بحيوية ونشاط .. يستيقظ من الفجر يبدأ بتنظيف المجمع السكني الذي أقطن فيه .. يهتم بكل تفاصيله .. يتنقل بين أدواره الثلاث بخفة و رشاقة كعصفور حالم .. وكأنه ذات العصفور الذي غنت له أميمة الخليل ذات زمن بعيد " عصفور طل من الشباك" .. يمسح الجدران يعطر الأجواء ..يلبي طلبات السُكان ..يوزع الفواتير هكذا منذ عرفته مخلص في أداء مهمته. إنه حارس مجمعنا السكني "العم حسن" صاحب الابتسامة العريضة ذو اللون الأسمر الغامق والقامة القصيرة واللكنة السودانية المعجونة بمصطلحات الجداويّن. ..سألته ذات مرة : ماسر هذا الحرص .. ولماذا كل هذا التفاني ؟ لتأتي إجابته : إن حب العمل طريق للإخلاص , وأنا رجل أؤتمن على هذا المجمع العريض وكلي أمل في أن أرضي ربي ثم نفسي وأكرم الرجل الذي أكرمني ولم يبخل علئ بشئ يردف قائلاً : سنوات الشقاء التي عشتها جعلتني أفقد شيئاً من الحب للأشياء وأنا اليوم أركن للانغماس في دوامة العمل الموكل إلي لعلي أعوض شيئاً مما فاتني ..قالها وهو يضحك وأضاف : لاتتخيل مدى سعادتي عندما يثني علئ صاحب المجمع ويقدر هذا التعب ..صدقني لاتسعني الدنيا - سألته: أنا حسب علمي أنك متزوج .. -نعم -تحبها .. بالطبع هي أم أولادي الخمسة لكن شعوراً ما ..جعلني أعيش هذا الحب على أنه مجرد عشرة فقط ..لم أعد كما كنت سابقاً.. أتعبتني الحياة فافتقدت أجمل معانيها - لم أفهمه جيداً ولكني أومأت برأسي على أني فهمت مايقول وهذا ماجعلني أقطع حديثه بالدعاء له بالعمر المديد والصحة الدائمة. ركبت سيارتي .. متجهاً إلى إحدى الشركات الخاصة لأن لي أوراقاً هامة أردت أن أنهي إجراءاتها . ذهبت لمقابلة المهندس المسؤول ..وصلت إلى مكتبه والذي يخيل لك أنه من مكاتب البيت الأبيض الفاخرة كل شي فيه يدعوك للتمتع والانبهار الأثاث على أحدث الموديلات ..الستائر مموجة ألوانها.. المقاعد مريحة.. السجاد نظيف.. رائحة العودة لاتكاد تهدأ .. كل شيء آخاذ فيه . على أية حال : الساعة تشير إلى العاشرة والنصف ولازلت انتظر مجيئ هذا المهندس ..إلى ان شرفنا سعادته في الثانية عشرة ..يتثاءب بطريقة كريهة ..خطواته متثاقلة طريقتة بالكلام تشعرك بالقرف ..حالة كسل طاغية ..متعالي يثير استفزازك. تعاملي معه جعلني أدرك تمام الإدراك أن غاية الإخلاص في العمل غاية سامية لايصل إليها إلا الاوفياء الصادقون مع أنفسهم اللذين لاتعنيهم المظاهر او المناصب ..عرفت في تلك اللحظة قيمة ذلك "الحسن" والذي ينعم مجمعنا السكني بإخلاصه الدائم وعطائه المتواصل. [email protected]