قرأت منذ يومين في أحد المنتديات نعياً لامرأة عالمة جليلة، قارئة متقنة، ومقرئة وحافظة مجازة، جامعة لقراءات القرآن، ونبيهة نبيلة صالحة، ومربية كريمة، وداعية فاضلة. وكم حمدت الله أن مثل هذه المرأة الصالحة العالمة وُجدت في بلد عربي من بلاد أمة الإسلام. وفقدُها وأمثالها مصيبة لا يقدر قدرها إلا من عايش الدعوة لهذا الدين وبذل لها روحه وأهله وماله، ونذر حياته، كما يقول كاتب النعي، لاسيما والساحة تشكو من ضعف مشاركة المرأة المسلمة في الدعوة. ويضيف: وعزاؤنا بأن هؤلاء الذين نودّعهم قد غرسوا غرس خير. فقد أجازت الفقيدة في القرآن حوالي ألف وستمائة قارئة، وتلميذاتهن يبلغن بضعة ألوف من حاملات القرآن. وقد التزمت بالإسلام، قلباً وقالباً، ويشهد لها كل من احتك بها بالسبق والريادة. وإضافة لهذا فهي تحمل شهادة الدكتوراه في الرياضيات، وكانت ذات شخصية قوية، ومتوازنة، وبعيدة النظر. ويضيف: مازلتُ أذكر ضبطها الحازم لقاعة التدريس بين مئات من الطلاب في الجامعة، والذين لم تألف وجوههم امرأة محجبة ملتزمة تدرّسهم الرياضيات، ولعلها من أوائل المدرّسات بهذا النمط من الالتزام. ألَّفت رسالة صغيرة في علم التجويد، ولكنها كتبت آلاف المصاحف في صدور أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا. ولها عدة كتب في الرياضيات العامة ونظرية الأعداد، وكانت رحمها الله ذات خلق كريم، وطيبة بالغة، وابتسامة مشرقة، مع حزم ولطف. وقد علَّق أحدهم بأنها لم تكن ملتزمة في بداية حياتها، وقد حصلت على الدكتوراه من الاتحاد السوفيتي السابق، وكان لها ميول يسارية. ويتساءل: كيف تحولت هذا التحول من جحيم اليسار إلى دفء الإسلام؟ فهل كان لانهيار الاتحاد السوفيتي واليسار أثر في ذلك؟ ربما. وهل بروز الصحوة الإسلامية كان سبباً لها؟ قد يكون ذلك. وهل قادها علمها العقلي في الرياضيات للتفكر في ملكوت الله؟ ولمَ لا؟ وهل قابلت في حياتها داعياً فذاً قارعها الحجة بالحجة؟ كل هذا وغيره ممكن. وإننا في زمن نعجب فيه من تحول الناس إلى الإسلام من كثرة ما نجد من جحود بعض أبناء الإسلام لدينهم، وعلينا أن نتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: القلوب بين أصبعين من أصابع الله، يقلِّبها كيف يشاء. التقيت يوماً في حفل زواج برجل من إحدى الدول العربية، وقد سأله سائل عن عالِم وداعية مشهور من علماء بلده، فما كان منه إلا أن قدح بالعالِم قائلاً: أنتم لا تعرفون تاريخه! فقلت له: لا نريد أن نعرف تاريخه! يكفي أن نعرف من هو الآن! فكلنا يعرف تاريخ عمر بن الخطاب رضي الله قبل الإسلام! فهل كان ذلك مانعاً له من يصبح الخليفة الثاني؟ فبهت الرجل ولم يجد جواباً. إننا نحمل أعظم رسالة لكننا نحتاج لمعرفة طرق إيصالها للناس، ومن المفيد أن نتذكر كيف انتشر الإسلام في جنوب شرق آسيا بواسطة التجار المسلمين الذين أحسنوا التعامل مع الناس فرغب الناس في دينهم. وحري بنا أن نذكر دوماً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحد ، خير لك من أن يكون لك حمر النعم). وهي رسالة موجهة لنا جميعا، ففي كل بلداننا هناك من بعدوا عن تعاليم الإسلام، وهناك غير المسلمين، وهؤلاء يحتاجون منا لمسة حنان ومعاملة حسنة. أما في غير بلداننا فمهمة المسلمين أن يظهروا محاسن الإسلام للناس، ولا ييأسوا، فالإسلام هو الدين الأوسع انتشاراً في كل من أمريكا وأوربا. وفي الحديث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره، قال: (بشِّروا ولا تنفِّروا، ويسِّروا ولا تعسِّروا). كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز [email protected]