في أدبيات الحروب تعني ساعة الصفر اللحظة التي يتحدد بها توجيه الضربة العسكرية للطرف الآخر بعد التعبئة اللوجستية الكاملة, وفي سياق هذا المفهوم يتطلع بنيامين نيتانياهو الي تشكيل حكومة إسرائيلية ائتلافية جديدة تحظي بثقة الكنيست من ناحية, وتحقق أعلي أحلامه وأهدافه التي عبر عنها عندما تولي رئاسة الحكومة سنوات(1996 1999), وفي مقدمة تلك الأحلام والأهداف تكريس عملية تهويد القدس كلية, وتفريغها من المقدسيين العرب في عملية تطهير عرقي غير مسبوقة. ولعل استرجاع مواقفه وتصريحاته بشأن يهودية القدس تثير علامات استفهام عديدة حول مستقبل قضية القدس, التي يسعي الي تهويدها لتكون جيروزاليم عاصمة لإسرائيل وأكبر مدينة عنصرية في عالمنا المعاصر ويبدو واضحا أنه يمني نفسه باطلاق ساعة الصفر وهو يتولي رئاسة الحكم في إسرائيل. لقد كان موضوع وحدة القدس( الغربية والشرقية) عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل الشعار الرئيسي لنيتانياهو في حملته الانتخابية الأولي في مواجهة شيمون بيريز عام1996, ولم يتردد منذ ذلك الوقت في مواصلة رفضه وضع القدس علي مائدة أية مفاوضات مع الفلسطينيين, وأكثر من هذا فإنه أعلن أكثر من مرة آنذاك موافقته علي انتهاك المقدسات الإسلامية بالموافقة علي قيام اليهود بالصلاة علي جبل الهيكل[ المسجد الأقصي]. وفي معركته الانتخابية مع شيمون بيريز حول وضع القدس عام1996, ركز نيتانياهو علي فضح حكومة شيمون بيريز آنذاك بشأن عملية تقسيم القدس, وانتهز صدور بيان السلطة الفلسطينية بخصوص مطالبة إسرائيل بجزء كبير من أراضي القدسالغربية يقدر بنحو40%( وهي أراض عربية صادرتها السلطات الإسرائيلية من الفلسطينيين عام1948), وعلق نيتانياهو علي المطلب الفلسطيني آنذاك بأنه جاء نتيجة استعداد حكومة بيريز للمتاجرة بالقدس, ومعلنا أنه لن يلتزم بأي اتفاقيات للحكومة الإسرائيلية حول منح الفلسطينيين أية سلطة في القدس, وفي هذا السياق أيضا طالب نيتانياهو بإغلاق كل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وعلي رأسها بيت الشرق فورا, ووجدت دعوة نيتانياهو استجابة سريعة من المتطرفين وعلي رأسهم ايهود أولمرت رئيس بلدية القدس آنذاك, الذي طالب فور إعلان فوز نيتانياهو في الانتخابات بوقف أنشطة بيت الشرق علي الفور. وفي سياق استرجاع مواقف وتصريحات نيتانياهو خلال رئاسته للحكومة الإسرائيلية(1996 1999) يكفي الإشارة الي مقولاته التالية: ( لقد تم انتخابنا حتي نسهر علي القدس), من تصريحاته عند افتتاح نفق القدس في26 سبتمبر1996 ولم يكن افتتاح النفق إلا جزءا من تكريس مخطط تهويد المدينة في عهد نيتانياهو, وكانت إسرائيل قد بدأت حفر النفق منذ عام1968. ( إن القدس عاصمة اسرائيل الأبدية ولن تكون محل تفاوض), وان القدس واللاجئين والمياه, وهي قضايا مفاوضات الوضع النهائي, قضايا شديدة التعقيد). ( أعتزم البناء في كل أنحاء القدس بما في ذلك ضاحية هارحوما), من تصريحاته أمام الكنيست في19 فبراير1997, وهي المستوطنة التي تعهد نيتانياهو في حملته الانتخابية علي إقرار إنشائها علي جبل أبوغنيم, وشرع بالفعل في بنائها بعد تسوية أرضها عام1999 وهي المستعمرة التي قطعت أوصال المناطق العربية في القدس حاليا, حيث تمثل الحزام الاستيطاني الجنوبي في مخطط تهويد المدينة المقدسة لتمزيق الوحدة الجغرافية للضفة الغربية. وظل نيتانياهو يطلق مثل تلك التصريحات الخطيرة بشأن القدس حتي الأيام الأخيرة من سنوات حكمه عندما قرر الكنيست حل نفسه يوم21 ديسمبر1998 وتقديم موعد الانتخابات الي بداية عام1999, حيث أعاد نيتانياهو شروطه المجحفة من السلطة الفلسطينية. مؤكدا ان حكومته لن تعطي الفلسطينيين فرصة واحدة لتقسيم القدس. وكسبا لمزيد من الأصوات في الانتخابات تساءل نيتانياهو في تهكم بالغ قائلا في بداية عام1999 أريد أن أعرف ان كانت المعارضة حزب العمل ومرشحها باراك آنذاك تؤيد تقسيم مدينة القدس؟ هكذا شكلت ولاتزال تشكل مسألة القدس كعاصمة موحدة وأبدية لاسرائيل( كما يزعمون) ورقة انتخابية أولي تتباري عليها الأحزاب والقوي السياسية الاسرائيلية في مزايدة انتخابية محمومة وبما يعني انها محل اتفاق واجماع بشأن تهويدها كلية وان اختلفت الآراء بشأن مخطط التهويد ذاته وليس أدل علي هذا من تصريح نيتانياهو في28 يناير الماضي عندما تباهي في مؤتمر القدس بأنه كرئيس للحكومة(1996 1999) صد ضغوطا كبيرة عند اقامة الحي الاستيطاني اليهودي هارحوما في جبل أبو غنيم قبل عشر سنوات وأنه نجح أيضا في تعزيز البناء في مستوطنة( معاليه أدوميم) بهدف تقوية التواصل الجغرافي بين المستوطنة والقدس, ثم يفجر نيتانياهو أخطر بالونات المزايدات أمام مؤتمر القدس الأخير قائلا: يخطئ من يعتقد ان التنازل عن جبل الهيكل( المسجد الأقصي) سيحقق السلام بل سيأتي بالعكس, وأعرب عن أمله في أن يمنحه الاسرائيليون الفرصة لتحقيق الحفاظ علي القدس موحدة تحت السيادة الاسرائيلية. ولعل اعلان نيتانياهو عن هذا المخطط الهدام بشأن المسجد الأقصي بصفة خاصة والقدس بصفة عامة انه يريد ان يدخل التاريخ العبري من أوسع أبوابه, حيث يراوده( خيب الله ظنه) دق ساعة الصفر في القدس معلنا الفصل الأخير في تهويد المدينة المقدسة. الإهرام المصرية