لا زال يؤرقني العنف بكافة أشكاله وقد حاولت أن أوظف قلمي في الكتابة عن العنف بكافة أنواعه. فبالأمس القريب كتبت عن العنف الأسري في جريدة الندوة وضياع حقوق الزوجة في ظل استبدادية الزوج وطرد الزوجة من البيت في أبشع صورة وحشية لهمجية الزوج المستبد.. واليوم أتناول بكل أسى وحزن العنف الجنسي وأثره عند المرأة والأطفال. من المعروف لدى الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين أن أشد الجرائم خطراً في المجتمع جرائم العرض والشرف.. وأكثرها أثراً في نفس المجني عليها وأسرتها! لاشك أن تصاب مثل هذه الفتاة أو المرأة أو الزهرة المتفتحة الصغيرة ذات الطفولة البريئة بالصدمة والخوف والهلع وعدم الأمان في كل من حولها من البشر وخاصة إذا كانت الواقعة من أقرب الناس إليها! فقد يلازمها هذا الانهيار العصبي بعد التأهيل والعلاج النفسي إلى سنوات متى تداعت تلك المعاني للذاكرة. ومن المؤسف حقاً أننا نجد المرأة ينتهك حقوقها المجتمع الذكوري سواء في حقها في العيش بأمان واستقلال. أو انتهاك حقوقها الشرعية في الميراث أو التسلط والطرد من قبل الزوج أو الأبناء. أو الاختطاف وانتهاك العرض وهو ما يعرف بالاغتصاب؟ وأتساءل بيني وبين نفسي .. ما هو عقاب من يقوم بمثل هذا الجرم الشنيع. نطالب أجهزتنا الرسمية في مجتمعنا المسلم بأن تكون هناك أنظمة حقوقية رادعة ومانعة كما أن تُوظَّف محاكم متخصصة للعنف بأنواعه ومراكز متعددة للتوعية وإجراء الأبحاث ودراسة الحالات والأسباب المؤدية لظاهرة الاغتصاب (العنف الجنسي) إلى جانب وجود أقسام متخصصة بالمستشفيات للكشف الطبي وتحديد نوع الإصابة والأضرار المترتبة عليها نفسياً وعضوياً.. فنحن ينقصنا اليوم في مجتمعنا المسلم العديد من المراكز المتخصصة للحد والقضاء على العنف بأنواعه! فنحن نحتاج في مدينة جدة على سبيل المثال لا الحصر إلى عدد لا يقل عن سبعة مراكز متخصصة في العنف بأنواعه تعالج هذه الظواهر المختلفة والتي يقاسي منها المجتمع بكافة فئاته وليس مركزاً أو مركزين كما هو واقع اليوم.. كما نطالب وزارة العدل ووزارة الشؤون الاجتماعية بالحرص والسعي السريع لسن أنظمة وقوانين تعزيرية رادعة لظاهرة الاغتصاب لكل من المرأة والأطفال والبنات .. فلم يعد مجتمعنا اليوم يتحمل الكثير والعديد من ضحايا العنف وضياع حقوقهم الإنسانية دون رادع ديني أو خلقي أو قضائي أو حتى اجتماعي.. فاحترام الحقوق الإنسانية سواء للمرأة أو الطفل هو حق مشروع ومكفول كفله ديننا السمح للجميع فالسن بالسن والجروح قصاص. ومجتمعنا المسلم أجدر أن يكون أسبق للحضارة ومراعاة حقوق الإنسان من غيره من المجتمعات الغربية لأن ديننا نظم حياتنا وكفل للطفل والرجل والمرأة كرامتهم في العيش باطمئنان نفسي وعضوي قبل غيره من القوانين والأنظمة الوضعية.. فيؤسفني أن أقول أن نسبة العنف بأشكاله المختلفة في بلادنا العزيزة كبيرة جداً إذا ما قورنت بغيرها من المجتمعات المتحضرة وخاصة أن الاعتداءات الجنسية على الأطفال بنوعيهم من قبل الأهل والأقارب كبيرة وكنت أحسب أننا أرقى المجتمعات بعداً عن العنف والاغتصاب والاعتداء على الأطفال. ولكن وجدت نفسي مذهولاً بما وصل إليه حال مجتمعنا المسلم من الوحشية والجهل وانتهاك الحقوق؟ وكنت أتصور أن هذا العنف والاعتداء ينتشر في المجتمعات التي لم يصلها الإسلام بعد أو التعليم أو الحضارة مثل غابات الأدغال. ولاشك أن رسولنا الأعظم عليه أفضل الصلاة والتسليم يقول: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فعلى كل متعلم وداعٍ ومثقف ورجل دين وأخصائي نفسي واجتماعي وأئمة المساجد والفكر التطوع الذاتي الوطني لإزالة هذا المنكر الوحشي بيده أو لسانه أو قلبه وماله لأن ترك هذا الأمر للجهات المعنية أو المتخصصة دون تدخل سيؤدي إلى زيادة هذه الظاهرة الممقوتة انتشاراً وتفاقماً. فالنسبة للأسف عالية جداً ولا أريد أن أصرح بها لعدم الاشمئزاز والتقزز والألم مما وصل إليه حال بعض الأهل والأقارب في مجتمعنا المسلم من تصرفات همجية وحشية لا تنم عن إدراك أو رحمة أو حتى حماية وإنسانية.. فالكل منا مدعو بما يسره الله أن يدفع هذا المنكر عن مجتمعه وأهله وذويه بكل إمكانياته الفكرية والثقافية والعلمية، كما أهيب بزملائي الكتاب المتخصصين القيام بمسؤولياتهم تجاه مجتمعهم وبلادهم وأمتهم.. وأطالب وزارات الإعلام في الدول الإسلامية والنامية القيام بمسؤولياتهم تجاه مجتمعهم في مكافحة هذه الظاهرة الوحشية.