المتتبع لمجريات الأمور في تلك المجزرة الدائرة الآن على الشعب الفلسطيني والمتمثلة في شعب غزة لا يخطئه حدثه بأن هناك مؤامرة ضد الأمة العربية بأجندة أمريكية وتنفيذ إسرائيلي، فمنذ أن تولى الرئيس بوش الابن الرئاسة الأمريكية وهو يسعى لتغيير الأوضاع لصالح الدولة الإسرائيلية وتشرذم الأمة العربية. فقد تبنى سياسة الشرق الأوسط الجديد وهو اليوم يسابق الزمن من أجل تثبيت هذا الواقع. وجاءت مجزرة غزة لترسم هذا المخطط على الأرض، إلا أن العدو اصطدم بفصائل أخرى تقاتل بجانب حماس بكل بسالة وضراوة أمام الهستيريا الإسرائيلية التي تستخدم أشد الأسلحة الأمريكية فتكا والمحرمة التي تقتل وتحرق كل ما تطاله بل لم يق الأمر عند ذلك فلقد زجت بألوية دربت على أسوأ المعاملات الإنسانية فتقتل الصغير قبل الكبير وأيضا الأسير وجاءت بشعار "دمر أكثر وأحرق أكثر حتى تضمن حياتك" فهم يخشون من هزيمة أخرى على غرار حرب لبنان، ولأن الحرب جاءت لعدة أهداف فمنها على سبيل المثال: رد الاعتبار للهزيمة التي كانت أمام حزب الله، وخلق واقع جديد على الأرض، والخلاص من حماس ورجالها، كما جاءت لتحذير حزب الله " بزعمهم أنهم جاهزون على الرد في الجنوب اللبناني" في تصريحات قادة إسرائيل كأنهم يطلبون جر حزب الله لرد الاعتبار، كما جاءت لتوجيه رسالة الى دول اخرى. إن هذه الحرب إذا لم تنطفئ فورا فسوف تجر المنطقة الى أن تتسع رقعتها وتشمل دولا أخرى وبالتالي سيكون للقوات الأمريكية دور فيها مما يشعل المنطقة برمتها وتكون كارثة أكبر من كارثة العراق وأفغانستان فمؤامرة - الشرق الأوسط الجديد - جوهرها إزالة أنظمة وتغيير خرائط على الأرض. ولقد كان متوقعا أن يحدث هذا الانفجار بما أوجده هذا الحصار المؤلم بكل أشكاله على غزة في الوقت الذي يسعى فيه العدو لجر المقاومة لحرب غير متكافئة القوة للقضاء عليها. وكانت إسرائيل قد أعدت عدتها سلفا بتخطيط تعلمه كل من الرئاسة الأمريكية والبريطانية - مما تفوح منه تصريحاتهما - وسعوا إليه لفرض أمر واقع أمام الرئاسة الأمريكيةالجديدة، فكان مقدرا لشعب غزة الحر أن يتجرع تلك الكأس المترعة بمرارة الدفاع عن الدولة الفلسطينية مع بعض الفصائل، هذه الفئة القليلة التي أصبحت اليوم في مرمى النيران الإسرائيلية بكل ما لديها من أسلحة أمريكية مستحدثة ومحرمة تختبر في جسد المسلم خاصة والعربي عامة، في الوقت الذي تحرص فيه إسرائيل على العنصر البشري فتسخر له كل الإمكانات ليكون في منأى عن القتل. ولما كانت القرارات الدولية دائما تصطدم بالصلف الصهيوني والعناد الأمريكي مما جعل إسرائيل - فوق القانون – بغطاء أمريكي مخز فإسرائيل اليوم تنتهج ذات الأسلوب الأمريكي في حروبها مثل التي كانت على المدنيين بأفغانستان والعراق وعلى أماكن العبادة وأماكن احتفال الأعراس كما شاهدنا في وسائل الإعلام بل إن أمريكا هي الدولة الوحيدة التي اجترأت على أن استخدام القنابل الذرية على نجازاكي وهيروشيما، كما استهدفت فيتنام بقنابل النابالم المحرمة فهذه هي إسرائيل اليوم تستخدم أسلحة اليورانيوم المشع والفسفور الأبيض الحارق والمنتشر لقتل أكبر عدد من البشر كما حدث في لبنان، وقد بات واضحا أن الحرب أصبحت حربا عنصرية عقائدية مغزاها الإسلام. إن حماس جلها مسلمون لذلك كان الضرب بلا هوادة جوا وبحرا وبرا على السكان الآمنين وهدم المنازل على من فيها واستهداف المساجد والمستشفيات وسيارات الإسعاف وأماكن الغوث "الأونروا" بل وقتل الأسرى في همجية حيوانية ومع ذلك فإن الرئيس بوش يريد أن تستمر الحرب، كل ذلك يعيد إلى الأذهان معركة حزب الله مع العدو الصهيوني على لبنان، ولم نجد من الرئيس الأمريكي أذنا صاغية أو موقفا منصفا بل وجدناه يستعدي المجرم على الضحية، إنه يريد أن تستمر الحرب حتى تقضي إسرائيل مآربها من تركيع وإذلال لكل مقاوم للاحتلال. وبينما إسرائيل الآن توغل وتسرف في القتل فيما يجتمع مجلس الأمن تحت وطأة الهيمنة الأمريكية ننتظر نحن العون السياسي لوقف تلك المجازر على أهالي غزة البواسل وستظل غزة عصية عليهم بأمر الله، ولن يكون العون من هذا المجلس أو تلك المنظمة بل العون سيكون من عند الله وحده فهو القادر على كل ظالم باطش ممنهج بعقيدة خاطئة ظانا بأن الله سيفلته، لا بل سوف يعلمون أن العزة لله جميعا يسلح بها عباده المؤمنين الصابرين. "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ" (الشعراء 227) فمرجعهم إلى العقاب ومصيرهم إلى النار. يا أهل غزة الصامدين استحضروا قول الله تعالى:"إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم" (الأنفال 9 , 10). يا أهل غزة الصابرين استحضروا قول الله تعالى: "إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون (الأنفال 65) يا أهل غزة المجالدين عليكم بالصبر في البأساء، قال تعالى: "ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب" (البقرة 214) فمهما بلغت الشدائد منتهاها يبشرنا الله تعالى: "ألا إن نصر الله قريب" فالنصر من عند الله وحده. يا أهل غزة المغاوير إن لله جنودا أشد وطأة على عدوكم يقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا (الأحزاب 9)، فالله تعالى لا يعدنا غرورا نستغفر الله من ذلك. وعلى الأمة المسلمة الدعاء قال رسول الله للمجاهدين: "إن هناك إخوانا لكم أقعدتهم الحاجة وأن دعاءهم لأشد على أعدائكم من سلاحكم" (اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم) اللهم اجعلهم عبرة وآية كما جعلتها في الكافر شارون، يا شعب غزة الجريح أسأل الله لكم العافية، ويا شهداء غزة سلام عليكم في الأولين والآخرين، لا تشكوني عند رب العالمين على تقصيري لكم. فلا استطع أن أقدم لكم إلا قلمي ودمي وقلبا مزقه الضعف والهوان. ومضة: قال تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" (الأنفال 25).