٭٭ عندما يقرأ أحدنا سيرة حياة الرئيس الأمريكي القادم السناتور الديمقراطي "باراك اوباما" يجدها خليطاً من العصامية الفذة والحلم الذي ليس له حدود، في بلد يحترم الديمقراطية، ويؤمن تماماً بمبدأ إتاحة الفرصة، وتكافؤ الفرص وإفساح الطريق أمام الحالمين.. وإلا لما كان لشاب أسود ينحدر من أصول أفريقية أن يصل إلى أعلى سلطة، يحكم من خلالها أقوى بلد في العالم، وبهذا تريد أمريكا أن تثبت مجدداً الحس الحضاري لشعبها، وأن تقول للعالم إنها أمة جديرة بالاحترام، وتقديم الدروس في فن بناء المؤسسات والمجتمع المؤسسي، وأظن أن انحياز 25% من الشعب الأمريكي الذي اقترع ل"اوباما" الثلاثاء الماضي، أصابته صحوة ضمير، للعودة إلى إرث المحاربين القدامى، وصنَّاع الاستقلال وكوكبة المدافعين عن الحقوق المدنية أمثال مارتن لوثر كينغ وجون كيندي. ٭٭ سيد البيت الأبيض الجديد، جاء إلى المجد من رحم المعاناة ومن تحت أنقاض الألم، فهو لم يعش في بيت يتسم بالاستقرار الأسري، ولا في مناخ من وفاق الأم والأب، إذ طلَّق والده أمه بعد سنتين من ولادته ثم ترك الابن وأمه وعاد إلى جذوره في كينيا، لتتزوج الأم برجل أندونيسي وترتحل معه إلى أندونيسيا وبرفقتهما الصغير أوباما، الذي ظلَّ هناك حتى العاشرة من عمره، ليعود إلى هاواي بأمريكا ويعيش حياة ظاهرها اليتم مع جده وجدته، ويواصل دراسته، وينفض أردان الإحباط والألم والمعاناة من فوق جبهته، ويرفع رأسه متطلعاً إلى أُفق بعيد، يكاد يتجاوز مدَّ البصر، في كفاح متوالٍ ، ومثابرة لافتة، وقفز عجيب فوق الشوك، إلى أن قال له الأمريكيون صبيحة الخامس من نوفمبر 8002.. أنت أيها الأسود القادم من دهاليز الصبر والمعاناة والصراع من أجل التغيير، "خيار أمريكا الوحيد في هذا العصر الذي يحتاج إلى التغيير". ٭٭ كان يمكن ل"اوباما" لو كان في غير الولاياتالمتحدة، أن يكون رقماً مهملاً من ضمن أرقام كفاحية وعصامية كثيرة في هذا العالم، لكنها أمريكا التي انعطفت عن قيمها المعروفة لبعض الوقت، ثم ثابت إلى رشدها، وتذكرت مآثر واضعي دستورها الأول، ومحاربيها القدامى، الذين أسسوا بلداً، هو الآن القطب الأوحد وقائد القوة والمجد والصناعة والعلم في هذا العالم، أمريكا التي يبدو أنها تريد أن تُعيد للعالم الوجه الأمريكي الجميل، بدل ذلك الوجه القبيح الذي رسمه المحافظون الجدد، وسجلوا به ومن خلال أعظم حالة من حالات الكراهية في معظم أنحاء الأرض تجاه كل ما هو أمريكي، حتى لكأن أمريكا في عهدهم قد استحالت إلى الشيطان الأعظم!! ٭٭ إن النصر القياسي غير المسبوق الذي حققه "اوباما" في معركته الانتخابية الطويلة مع نظيره الجمهوري السناتور "جون ماكين" في سباق رئاسي اعتبر الأعلى تكلفة في التاريخ الأمريكي "3.5 مليار دولار" وعودة الديمقراطيين إلى واجهة رسم القرار الأمريكي، لا يعني أن سياسات أكبر بلد في العالم ستتحول - بالضرورة - 081 درجة في الاتجاه الآخر، ذلك لأن الاستراتيجيات الأمريكية في العادة ثابتة، ولكن الذي سيكون مرشحاً للاختلاف هو شكل التعامل مع أساليب الوصول إلى تحقيق تلك الاستراتيجيات، وكما يقول الخبراء فإنها ستكون سياسة "القوة الناعمة" بدلاً من سياسة "القوة العنيفة"!! والتي ستكون خياراتها الأولية طريق المفاوضات بدلاً من عرض العضلات. ٭٭ المؤكد الآن أننا سنعيش "أمريكا جديدة لأربع سنوات قادمة مع "باراك اوباما" وأظن أن أمام سيد البيت الأبيض الجديد، فرصة ذهبية في أن يمحو من أذهان كثير من شعوب الأرض، جزء غير قليل من حالات الكراهية التي تكرَّست في عهد سلفه الرئيس جورج بوش الابن، والتي وصلت ذروة غير مسبوقة في التاريخ الأمريكي، وكما قلت في مرات سابقة فإننا في هذا العالم بحاجة إلى أمريكا، ولا يمكن للعالم أن يستغني عن الدور الحضاري الأمريكي، الذي غاب لسنوات أو لعلَّه تم تغييبه، داخل قبعة الكابوي الأمريكي، وحان الآن الوقت لأن نتاج الفرصة للوهج الحضاري القادم من غرب الأطلسي أن يجسد معاني الحرية والعدالة، في عالم لم يعد يقيم احتراماً لسياسات البطش والاستكبار. [email protected]