تبدي دوائر صنع القرار الإسرائيلية ومحافل التقييم الاستراتيجي في تل أبيب اهتماماً بالغاً وغير مسبوق بالسباق المحموم بالفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وإن كانت إسرائيل ترى في الانتخابات الرئاسية الأمريكية دائماً حدثاً استراتيجياً من الطراز الأول لما للعلاقات بين تل أبيب وواشنطن من تأثير كاسح على كيانها ومستقبلها، فإن كل الدلائل تشير إلى أن نتائج الانتخابات القادمة سيكون لها تأثير غير مسبوق ليس فقط على العلاقة بين الطرفين، بل على مستقبل إسرائيل ذاتها. وسبب ذلك هو الملفات الخطيرة والضخمة جدا التي ترى إسرائيل أنه يتوجب عليها معالجتها، وهي تدرك أن هذه المعالجة تعتمد بشكل أساسي على التعاون الأمريكي أولا وقبل كل شيء. ولما كان الرئيس الأمريكي يتمتع بصلاحيات طاغية وشبه مطلقة في قضايا العلاقات الخارجية، فإن هذا شكل عاملاً إضافياً، وما يزال، للاهتمام الإسرائيلي بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية. في نفس الوقت معروف أن أحد أهم بنود العقيدة الأمنية الإسرائيلية يقوم على ضرورة استناد الكيان الإسرائيلي على حليف قوي، وهذا ما حرصت عليه إسرائيل منذ تأسيسها وحتى الآن. وأكثر من سواهما أهمية لإسرائيل، فإن هناك ملفين مهمين يتوجب أن تطمئن إلى وجهة نظر كل من المرشحين الديمقراطي والجمهوري إزاءهما، وهما التهديد النووي الإيراني ومصالح تل أبيب في التسوية مع الفلسطينيين. التهديد النووي الإيراني: لا خلاف على أن دوائر صنع القرار ومحافل التقييم الإستراتيجي في إسرائيل ترى في المشروع النووي الإيراني أكبر تهديد يواجه إسرائيل حالياً، ويدل على تلك الحقيقة توجيه إسرائيل جل مواردها وقدراتها الاستخباراتية من أجل إحباط هذه المشروع، وما يدل على الخطورة التي تنظر بها إسرائيل للمشروع النووي الإيراني تحول رئيس جهاز الموساد "مئير دجان"، الذي تم تكليفه من قبل الحكومة الإسرائيلية لمعالجة المشروع النووي الإيراني، إلى الشخصية الأمنية ذات التأثير الأكثر طغياناً وتأثيراً على بقية دوائر صنع القرار. وتضع إسرائيل في حسابها مواجهة المشروع النووي الإيراني بالضغوط السياسية والاقتصادية "وهو ما تفضله"، والوسائل العسكرية. وفي كلتا الحالتين فإن دور الرئيس الأمريكي المقبل حاسم كما ترى إسرائيل، سيما وأنها منذ الآن ترى أنه من الصعب جدا أن تساهم الضغوط الاقتصادية والسياسية في دفع إيران للتراجع عن برنامجها النووي، خاصة بعد الأزمة الجورجية الروسية، وتوفر المزيد من الأسباب التي تدفع روسيا لإظهار المزيد من التشدد إزاء الضغوط الهادفة لإجبارها على التصويت لصالح فرض عقوبات على إيران. وهنا يتوجب التأكيد على أن إسرائيل ترى خطورة البرنامج النووي الإيراني ليس في نجاح طهران في صنع قنبلة نووية، بل أيضا في مجرد حصول الإيرانيين على القدرات العلمية التي تمكنهم من تخصيب كمية من اليورانيوم تكفي لتصنيع قنبلة نووية في المستقبل، وبالتالي فإن إسرائيل ترى أنه حتى لو نجحت في ضرب المنشآت النووية الإيرانية بعد تمكن طهران من الحصول على القدرات العلمية والتقنية التي تؤهلها لتخصيب اليورانيوم بشكل كافي، فإن هذا يعني أنها لم تحقق شيئاً. وفيما يتعلق بالعمل العسكري، ترى إسرائيل أن هناك سيناريوهين يتعلقان باستخدام القوة في إحباط المشروع النووي الإيراني: فإما أن تتولى المهمة الولاياتالمتحدةالأمريكية، أو إسرائيل. وبكل تأكيد فإن تل أبيب تفضل أن تقوم واشنطن بالمهمة بسب قدراتها العسكرية الهائلة. ولا خلاف أنه من أجل إنجاز هذه المهمة تحديدا، فإن إسرائيل تفضل فوز ماكين على اعتبار أن له مواقف ثابتة وراسخة من مسألة المشروع الإيراني تعود جذورها إلى الوقت الذي كان قائدا برتبة جنرال وكان مسئولا عن التنسيق بين الجيش الأمريكي والكونجرس. ولدى النخب الحاكمة تقييم كبير لجدية ماكين في هذا الجانب أكبر من أوباما. اسلام أون لاين