لمحْتُ في عينيها بعض الحسرات . . لم أفهم في البداية ماذا تعني، كلما رأيتها أشعر بنفس هذه النظرات، حتى كانت المواجهة . قالت لي وهي تطأطئ رأسها بنبرة حزينة : هل تذكرين حينما كنا نجوب سويّاً الأرض شرقاً وغرباً سياحة في دعوة الله؟ كنا لا نسمع عن درس أو احتفال أو أي شيء يخص دعوتنا إلا وانطلقنا إليه ركضاً . . هل تذكرين عندما كنت شعلة من النشاط لا يغمض لي جفن إلا على فكرة جديدة للدعوة في سبيل الله؟ أتألم حسرة على ما أنا فيه الآن ! قلت : وما الذي أنت فيه الآن؟ قالت : البيت، والأولاد، وزوجي الذي ألمح في عينيه تذمراً كلما طالبته أن انطلق للدعوة في سبيل الله . ابتسمْتُ ابتسامة هادئة وقلت لها : لن أذكِّرك بما أنت فيه من رباط، فربما فعل ذلك الكثيرون . . لكنني أسألك : ما هي الدعوة؟ وأين محلها عندك؟ اسمحي لي أن أجيبك أنا، فالدعوة يا صديقتي محلها قلبك . . هي هي ذاتها . . ننفر بها على أية حال اختارنا الله فيها بما يناسب حالنا هذا، نطوع حياتنا لها حسب الزمان والمكان، ونرفع أيدينا بالدعاء إلى الله كي يتقبل . الدعوة ليست فقط أن تجوبي البلاد شرقًا وغربًا . . قد تكونين وأنت في عقر دارك دعوة . كنا نحاول أن نزرع حبها وحب الله ورسوله في قلوب الناس . . هؤلاء الناس الآن هم زوجك وأبناؤك الذين تؤجرين عليهم أكثر من غيرهم . ماذا قدمت لجيرانك؟ وقد قال الحبيب المصطفى - صلى الله وعليه وسلم -: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " استوصي بجارتك خيراً، وأي خير أعظم من أن تأخذي بيديها إلى الله، " ومن أحسنُ قولاً مم َّن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين " أم أنك يا صديقتي لم تتعاملي مع هذا النوع من قبل فآثرت عدم التجربة؟ أما يحتجن منك إلى كلمة . . إلى تجمع على خير . . إلى إصلاح لأنفسهن وبيوتهن وأبنائهن . . أما تحتاجين أنت أن تقتنصي منهن مشية في حاجة تشفع لك عند الله . . ابتسامة صادقة . . أو تفريج كرب، وكلها أشياء رغم صغرها قد تكون هي طريق نجاتك . كلنا في حاجة إلى تذكرة وإلى الدعاء، فالدعاء هو مخ العبادة كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . .ويفتح الله به قلوب العباد فلنبتهل إليه أن يحببنا إلى دعوته ويزينها في قلوبنا وقلوب أهلينا . . ادعيه ألا يحول بيننا وبينها أبداً . . آمين .