يسعد الإنسان كثيراً إذا ما سكن المدينةالمنورة واختلط بأهلها وتطبع بطباعهم وأخذ منهم ما عرف عنهم من حسن وفادة وأثرة على النفس حتى إذا ما أحس بأنه يطأ على أرض كان يطأ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المرضيّ عنهم وقد ورد عن ما وطأ أرضها من بعده من التابعين أنه كان حينما يمشي على ثراها لا ينتعل بل يمشي حافيا وورد أيضاً عن بعضهم أنه لا يقضي حاجته الا خارجها وهذا ضرب من ضروب الأدب والتقديس لها ولمن ضمه ثراها الطاهر ولا أخالني مخطئ إذا ما قلت بأن تلك المكانة وذلك التعظيم لم يأتيا من فراغ وإنما جاءا بعد هجرته صلى الله عليه وسلم إليها وتشريفه لها وإقامته بها واحتضان ثراها له صلى الله عليه وسلم وأما ما كان عليه أهل المدينةالمنورة من خلق حسن وعادات لا تتوفر لسواهم من أفراد الأمة الاسلامية ما هو إلا تأثر بما كان عليه اسلافهم من الصحابة والتابعين ولا أرى بأسا في ذكر بعض ما كان عليه أولئك الناس الأطهار من عادات خلدت ذكرهم وجعلت منهم رموزاً في محبتهم وودهم،ومنها انه قد سافر احدهم وترك أهله ومنزله دون أحد يقوم بواجبهم ويقضي حوائجهم فمن عادة أهل المدينة أن تقوم ربة البيت بكتابة ما تحتاج إليه في ورقة وتضع الورقة والدراهم في زنبيل أمام باب الدار فلا بمكن أحد من أهل المدينة أن يمر أمام باب الدار ويرى الزنبيل الا ويحمله الى السوق ويقوم بشراء ما يحتاجونه حتى ولو لم تكن الدراهم كافية وبعد أن يشري كل ما هو مطلوب لم يقم بأخذ ما تبقى له من دراهم لقاء ما شراه لهم وهذا لعمري قمة العرفان بحقوق الجار الذي أوصى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كاد أن يورثه وإلى لقاء آخر إن شاء الله . ج - 0504359424