اليوم تشرق شمس العاصمة الإسبانية مدريد على حدث له أهمية خاصة للعالم ، لأنه الحاجة الأهم والهدف الذي بحث عنه طويلاً ولم يعرف كيف السبيل إليه على مدى تاريخ طويل. إنه المؤتمر العالمي للحوار بين أتباع الرسالات الإلهية والحضارات والثقافات الذي دعا إليه صانع التاريخ للسلام والحوار وصوت العقل والحكمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ، حيث سيترجم اليوم دعوته بافتتاح المؤتمر مع العاهل الإسباني جلالة الملك خوان كارلوس بحضور كبار الشخصيات العالمية والعلماء والمفكرين ، لتأسيس مرحلة جديدة من حياة البشرية التي اكتوت كثيراً بالصراعات ، ودفعت أثماناً باهظة من أرواح الملايين لغياب الحوار رغم كل منظماته وهيئاته الدولية لأنها أصبحت جزءاً من لعبة القوى والنفوذ . وللحوار عند الملك عبدالله بن عبد العزيز قيمة خاصة ولغة رفيعة هي نهجه وخطابه الذي يرتبط بالصدق لا بالشعارات والوعود ، ويهدف دوماً إلى نشر القيم الإنسانية والأخلاقية التي تسمو بها البشرية .. قيم لا تلغيها المصالح ولا تتعارض معها ، وتمسك بتلابيب العقل ، وتنبذ الكراهية والعصبية والتعصب لدين أو عرق أو مذهب .. إنها الإنسانية بصورتها الناصعة وقواسمها المشتركة . التاريخ قدم للبشر والأمم دروساً عظيمة وأعظمها الحوار ، فمتى كان الاستقرار والسلام وأينما كان التطور والتقدم للبشرية فتش عن الحوار ، ودائماًً وأبداً ارتبط استقرار العالم بمدى ممارسته لهذه المعادلة ، ودرجة اقترابه منها . ولطالما كانت صراعاته وحروبه في ظل غياب الحوار ، ولهذا فهو المطلب الأهم والأكثر إلحاحاً بعد أن أطلت رؤوس الفتنة واشتعل فتيلها أو يكاد بالإساءات للإسلام الحنيف ونبي الرحمة محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ، وبالغلاة المتطرفين من بعض أتباع الأديان والثقافات ، ووجدت الفتنة من ينفخ فيها ومن يغذيها بجهالة وعصبية لا يقرها دين ولا يقبلها عقل أو منطق . أمام ذلك كان لابد من صوت العقل إنها دعوة الحوار الذي يليق بالإنسان الذي خلقه الله فأبدع خلقه وأودعه العقل وهداه النجدين .. ومن بلد الحرمين ومن مهبط الوحي والقبلة المشرفة لنحو ملياري مسلم انطلقت مبادرة الملك عبد الله للحوار العالمي من مكةالمكرمة خلال المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي اجتمع على تحقيق رؤية الملك الصالح للحوار الأشمل بين أتباع الرسالات الإلهية والحضارات والثقافات . لقد وضع خادم الحرمين الشريفين العالم أمام مسئولياته في كل خطاب وكل زيارة لدول العالم .. ومن قبل ذلك أكد على تأصيل لغة الحوار وسبله داخل الوطن وبين أبناء الشعب السعودي الواحد ، فكان مركز الحوار الوطني ومؤتمراته المنتظمة .. وكان مركز الحوار العالمي . وهكذا يعيد هذا القائد والزعيم الكبير لمسيرة العالم المعاصر اللغة الأهم للسلام والتعاون على اختلاف وتعدد الانتماءات . إنه النهج الذي يحمل بكل وضوح قيم الإسلام الحنيف التي تؤكد على احترام حق الآخر والحوار بالحسنى وروح التسامح والمساواة ، وهذه هي الرسالة التي استمع لها العالم من جهود الملك عبدالله .. فقبل ثماني سنوات خاطب حفظه الله قادة العالم في قمة الألفية الثالثة بروح المسئولية متسائلاً :"أين نحن مما نص عليه ميثاق الأممالمتحدة من صون حقوق الإنسان الأساسية : التسامح وحسن الجوار". وحتى تصل الرسالة بدقة وتأكيد روح الإسلام وتعاليمه العظيمة قال أيده الله :"إن حقوق الإنسان كما نفهمها نحن المسلمون هي هبة من الخالق لا يملك أحد حق مصادرتها أو سلبها ، وليست شهادة حسن سلوك يقدمه البشر بعض البشر لبعض من زاوية ادعاء خاطئ لتفوق أخلاقي على الآخرين .. إن هذه الحقوق والمبادئ توجد في أعماق كل الحضارات الإنسانية ، ولا يصح النظر إليها بمعزل عن الحضارة التي نشأت منها كما أنه من الصعب أن نفرض على إنسان أو مجتمع مفاهيم ترفضها معتقداته ومبادئه وأخلاقه ". لقد فهم العالم الرسالة وأدرك المتغطرسون وهواة سياسة التسلط أنهم معنيون بها قبل غيرهم .. وفي القمة الإسلامية الاستثنائية بمكةالمكرمة قبل نحو ثلاثة أعوام ، جاء خطاب الملك عبدالله صادقاً مع أمته قادة وشعوبا بأن "الوحدة الإسلامية لن يحققها سفك الدماء كما يزعم المارقون بضلالهم من الغلو والتطرف .. وأن التكفير لا يمكن له أن ينبت بأرض خصبة بروح التسامح ونشر الاعتدال والوسطية". هكذا يتوقف التاريخ من جديد أمام لحظة خاصة في حياة العالم المعاصر يصنعها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في مدريد ، واستجاب له العالم بعقل مفتوح كما دعاه بعقل مفتوح .. ومرحلة كهذه يوثقها التاريخ في مسيرة الأمم ، وسيفتح للمؤرخين وللأجيال صفحات مضيئة عن قائد استثنائي لوطن استثنائي ترجم الصورة الحقيقية للإسلام دين الرحمة والتسامح والتعاون على البر والتقوى ، ولجم دعاة الفساد والظلامية والإثم والعدوان والإرهاب الذي لا دين له ولا وطن ، ومع انطلاق قاطرة الحوار بهذا التنوع لأول مرة في العالم ستكون المسئولية دقيقة على عقلائه ، ويجب أن يواصلوا الطريق الذي أرساه ومهد له عبد الله بن عبد العزيز . نقطة نظام : الحوار المبني على الاحترام والمساواة بين الشعوب امر ضروري لبناء عالم يسوده التسامح والثقة " خادم الحرمين الشريفين " [email protected]