حذر مختصون في التمويل والاقتصاد من التعامل مع جهات غير رسمية للتمويل، في وقت تشهد السوق السعودية «فوضى قروض»، وذلك من خلال الترويج لمنتج جديد غير رسمي تحت مسمى «تسديد قروض وإعادة تمويل» بطريقة شرعية إسلامية من مختلف البنوك، على رغم عدم معرفة مصادر تلك الأموال، والشبهات الإسلامية حولها وعدم وجود ترخيص من الجهات المختصة للممارسين، ما قد يوحي بأن ذلك العمل يأتي في إطار عمليات غسيل الأموال. وتأتي تلك التحذيرات بعد زيادة عدد المكاتب التي تقدم ذلك النوع من الخدمات، وبدأت ملصقاتها الترويجية تزداد بشكل كبير على واجهات فروع البنوك المحلية وأجهزة الصراف الآلي، مستغلين حاجة الكثير من الأفراد إلى القروض. وتساءل عضو مجلس الشورى سابقاً رئيس دار الدراسات الاقتصادية الدكتور عبدالعزيز إسماعيل داغستاني عن أسباب تغاضي الجهات ذات العلاقة لتلك الوسائل والطرق غير النظامية، «والتي تتم عياناً بياناً من دون خوف أو حتى ضمير، ومنها الإعلانات غير النظامية، وهي إعلانات مشبوهة، عن تسديد القروض القائمة لدى بعض البنوك، وإصدار قروض جديدة». وقال داغتساني إن «هذه الإعلانات انتشرت من خلال لصقها على أجهزة الصراف الآلي، وفي الصحف اليومية، بموافقة الصحف ذاتها، وعدم اعتراض الجهات المالية المختصة أو الأجهزة الأمنية»، واصفاً هذا الأمر بأنه «غير نظامي وعواقبه غير محددة، ولا نعرف مصدر هذه الأموال». وأضاف: «من الطبيعي أن يُشك بأن هذه العمليات غسيل أموال، وأن الأموال قد تستخدم لتمويل الإرهاب، ناهيك عن أنها قد تؤدي إلى آثار اجتماعية سيئة في المستقبل، لأنها لا تراعي المعايير المتعارف عليها في الإقراض والضمانات، وتكون في الغالب بتكاليف باهظة». وأكد داغستاني أن «عمليات غسيل الأموال تشكل جزءاً مهماً في معادلة الإرهاب، لأنها تدعم الجانب الفكري، وبذلك يلتقي الفكر مع المال فتتم العمليات الإرهابية، وكلاهما مكمل للآخر. ولا يمكن القضاء على الإرهاب إن لم نتمكن من القضاء على مكونات هذه المعادلة. ويبدوا أننا انشغلنا كثيراً بمحاربة الفكر المنحرف أو الضال المؤدي والمساند والمؤيد للإرهاب، وهو مهم، ولكن العملية يجب أن تكون تكاملية، وتتم وفق رؤية علمية وعملية واضحة». وزاد «تمويل الإرهاب نشعر بأنه موجود، ولكننا نتغاضى عن مراجعة كيفيته وآلياته، ولا أجد أي مبرر منطقي لعدم الاهتمام به وتوعية الناس، وبخاصة في المنابر الدينية التي يفترض أن تكون أول من يحمي المجتمع من تبعات الإرهاب وتكاليفه وآثاره المدمرة على المجتمع والاقتصاد». من جهته، أكد المحلل والكاتب الاقتصادي فضل سعد البوعينين إن «الإعلان على أجهزة الصرف الالكتروني وعلى واجهة البنوك مخالف للأنظمة والقوانين، عمليات الاقراض من أجل السداد او إعادة التمويل يتخصص فيها القطاع المصرفي فقط، وبذلك فإن ذلك يعتبر مخالفة واضحة». وأشار في حديثه إلى أن هناك اضراراً كبيرة جراء تلك الظاهرة، منها الأضرار المالية التي تقع على المقترض، واستغلال المتعثرين أو الذين لا يستطيعون الحصول على قرض، إضافة إلى الضرر الذي يقع على القطاع المصرفي، إذ أصبحت سمعة بعض البنوك على المحك بسبب ارتباطها بتلك الإعلانات، وكذلك تأثير ذلك على سمعة القطاع المصرفي عموماً». وشدد البوعينين على أن من حق القطاع المصرفي مقاضاة هؤلاء الاشخاص المعلنين «ولكن للأسف لم نشاهد أو نسمع عن تسجيل أي قضية، على رغم أن هؤلاء الأشخاص يستخدمون اسم البنك، ما يوحي بأن هناك علاقة قوية بين الفرد والبنك». ولفت إلى أن ممارسة ذلك العمل والتغاضي عنه من الجهات المختصة سيفتح المجال لهم من خلال الخبرات التي ستتكون لديهم الى تحويل هذه العمليات من تمويل الى عمليات غسيل أموال، وطالب الجهات المختصة بأن تقوم بدورها باستدعاء هؤلاء الأشخاص والتحقيق معهم والحد من ممارساتهم غير النظامية. وحث المصارف المحلية على «تسهيل عمليات الاقراض وجدولة ديون المقترضين، خصوصاً أصحاب البطاقات الإئتمانية، لأن رفض البنوك سيؤدي إلى استغلال هؤلاء الأشخاص للأفراد الباحثين عن قروض»، مؤكداً أهمية الدور الإعلامي بتثقيف الأفراد وتوعيتهم بحقوقهم. ويصف رئيس لجنة التقسيط في غرفة الرياض عبدالله السلطان تلك الممارسات بأنها «غير نظامية، وغالبية من يقوم بها أشخاص غير مرخصين، ونحن في اللجنة نسعى بالتنسيق مع الجهات المختصة إلى محاربتهم والتوعية من الأضرار التي قد تنتج من وسائلهم». وأشار إلى أن «الرياض تشهد انتشار المكاتب المخصصة للتقسيط، ولا يتواجد فيها أصحابها بل يقومون بالتنسيق مع الشخص الذي يرغب الاقتراض ومقابلته خارج المكاتب، وللأسف فإن الجهات المختصة لم تقوم بالدور الرقابي ومنع تلك المكاتب وإعلاناتها». وطالب السلطان في حديثه مؤسسة النقد والجهات المسؤولة ملاحقة هؤلاء الاشخاص، خصوصاً أن ممارساتهم قد تؤدي إلى غسيل للأموال. من جهته، قال «حسن» أحد العاملين الأجانب في مكتب للتقسيط إن «الاقراض يتم من خلال مبالغ محدودة، مع ضرورة وجود كفيل وتعريف من العمل»، مشيراً إلى أنه لا يعرف هل المكتب مرخص أم لا، ويشهد المكتب إقبالاً كبيراً من الأفراد وأن لديهم عملاء يتجاوز عددهم 300 شخص». يأتي ذلك في وقت تشهد عملية الإقراض والتمويل في المملكة نمواً كبيراً، من خلال حجم القروض الذي وصل إلى أكثر من 250 بليون ريال، في الوقت الذي أشارت فيه مصادر مصرفية إلى وجود أكثر من 10 بلايين ريال للبنوك السعودية قروضاً متعثرة.