أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي، المسلمين، بتقوى الله عز وجل، والعمل على طاعته واجتناب نواهيه. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم: عمل الإنسان مهما بلغ ومهما كان في الحسن والإتقان لا يؤهله بمجرده لدخول الجنة، ولا ينجيه من النار؛ وإنما ذلك كله يحصل بمغفرة الله ورحمته؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لن ينجي أحدًا منكم عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته، سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا) وفي لفظ: (إن هذا الدين يسر، ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه؛ فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة). وأخرجه أيضًا من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنة، وأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)، فهو أصل عظيم وقاعدة جليلة. وأوضح أن الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم (لن يدخل الجنة أحد بعمله) وقوله عز وجل {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}، أن دخول الجنة يكون برحمته تعالى، وأما انقسام منازلها وتفاوت درجاتها فيكون بحسب الأعمال؛ فمن كانت أعماله أكثر وأحسن، كانت منزلته في الجنة أعلى، وقال: كما لا بد أن يعلم أن العمل؛ وإن كان سببًا لدخول الجنة؛ فإنما هو من فضل الله ورحمته أيضًا، فتحصل من ذلك أن الجنة والعمل من فضل الله ورحمته على عباده المؤمنين، ولهذا يقول أهل الجنة عند دخولها: {الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله..} فلما اعترفوا لله بنعمته عليهم بالجنة وبأسبابها من الهداية، وحمدوا الله على ذلك كله، جوزوا بأن نودوا {أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} فأضيف العمل إليهم وشكروا عليه. وأضاف "غزاوي" أن مضاعفة الحسنات إنما هي من فضل الله عز وجل وإحسانه؛ حيث جازى بالحسنة عشرًا ثم ضاعفها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة؛ مشيرًا إلى أن على المؤمن أن يقطع نظره عن عمله بالكلية ولا يعول عليه وإن كثر وحسن، وألا يتكل على الطاعات والعبادات التي يعملها وعلى قبولها؛ فهذا مما لا يعلمه إلا الله عز وجل، وألا ينظر إلا إلى فضل الله ومنته عليه، والحث على الإسراع في عمل الطاعات والازدياد منها، مع الخوف والشفقة من الله تعالى؛ فهؤلاء الصحابة الأخيار البررة الأطهار كان الخوف من سوء الخاتمة يقضّ مضاجعهم، والوجل من العقاب يملأ قلوبهم، والفزع من عدم القبول يزعج نفوسهم. وأفاد بأن المؤمن الصادق يبذل الجهد في العمل ويكدح في الصالحات، ويتفانى في الطاعات، ومع هذا فلا يعجب بنفسه ولا يدلي بعمله ولا يمن بما قدم؛ لعلمه أن الله تعالى هو الذي تفضل عليه بالتوفيق والإعانة وصرف الموانع والعوائق، وأن يسعى في تحصيل كل عمل صالح مشروع يستطيعه، وألا يحتقر شيئًا من المعروف؛ فما يدريه لعل عملًا يسيرًا يخلص فيه؛ يكون سببًا في مغفرة الله له ودخوله الجنة، وأن على المؤمن طالب النجاة من النار ودخول الجنة أن يطلب ذلك بالأسباب الموصلة إلى رحمة الله وعفوه ومغفرته ورضاه ومحبته. ولفت "غزاوي" إلى أن الفضائل ليست بكثرة الأعمال البدنية؛ لكن بكونها خالصة لله عز وجل، صوابًا، موافقة للسنة، وأن أفضل الناس مَن سلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أصحابه في الاقتصاد في العبادة البدنية والاجتهاد في الأحوال القلبية، وقال: سفر الآخرة يقطع بسير القلوب لا بسير الأبدان، كذلك مما يحسن التنبه له أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل الجنة أحد بعمله) لا يفهم منه أن العمل لا فائدة فيه، أو أن يترك المرء العبادة، لا؛ بل لا بد من العمل وله فائدة عظيمة وهو أن العمل علامة على وجود الرحمة التي تدخل العامل الجنة فيكون المراد اعملوا واقصدوا بعملكم الصواب؛ أي اتباع السنة من الإخلاص وغيره ليقبل عملكم فينزل عليكم الرحمة. وأضاف أن العمل مطلوب لا ينقطع العبد عنه ما دام حيًّا، بل كلما ازداد العبد من طاعة الله، ازداد خيره وكماله ودرجته عند الله؛ إلا أنه مع ذلك كله لا يتكل على عمله في دخول الجنة، والحديث يفيد أن مجرد السبب لا يوجب حصول المسبب؛ فإن المطر إذا نزل وبذر الحب، لم يكن ذلك كافيًا في حصول النبات، بل لا بد من الهواء والتراب، ولا بد من صرف الآفات المفسدة له؛ فلا بد من تمام الشروط وزوال الموانع، وكل ذلك بقضاء الله وقدره، وكذلك أمر الآخرة ليس بمجرد العمل ينال الإنسان السعادة، بل هو سبب؛ وإنما يحتاج العبد مع عمله إلى رحمة الله وفضله ليدخل الجنة؛ فالعمل -وإن عَظُم- فإنه لا يستقلّ بنجاة العبد ولا يستحق به دخول الجنة، ولا النجاة من النار. وأوضح أن غاية السير يوصل المؤمن إلى ربه، ومن لا يعرف الطريق إلى ربه ضل وحاد عن الجادة؛ مشيرًا إلى أن الطريق إلى الله هو سلوك صراطه المستقيم، الذي بعث الله به رسوله وأنزل به كتابه وأمر الخلق كلهم بسلوكه والسير فيه. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: الوصول إلى الله نوعان، أحدهما في الدنيا والثاني في الآخرة، فأما الوصول الدنيوي فالمراد به: أن القلوب تصل إلى معرفته جل وعلا؛ فإذا عرفته أحبته وأنِست به، فوجدته منها قريبًا ولدعائها مجيبًا، وأما الوصول الأخروي فالدخول إلى الجنة التي هي دار كرامة الله لأوليائه على تفاوت في الدرجات. وأكد "غزاوي" أن من المسائل المهمة في السير إلى الله، أن العبرة في الأعمال بخواتيمها وعواقبها؛ فما أجدر المؤمن أن يسأل ربه حسن الختام ويستعيذ به من سوء الخاتمة ويدعوه بأن يثبته على الدين حتى الممات؛ مستشهدًا بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.