- دت جموع المصلين بالمسجد الحرام صلاة جمعة هذا اليوم، وقد أمّ المصلين فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن علي الغامدي، إمام وخطيب المسجد الحرام. وأكد فضيلته أنه ليس هناك نعمةٌ إلهيةٌ، بعد الإيمان، أجلَّ ولا أعظم أثراً من نعمة العقل، تلك الكرامة الربانية التي هي من أكبر بدائع الله الذي أتقن كل شيء. وبين أن كل الدلائل والحقائق والبراهين تشهد أن البشرية جمعاء شهدت الوفاق التام بين منهج الله ووحيه وبين العقل البشري حينما جاء النبي – صلى الله عليه وسلم – بهذا الدين الكامل الهادي، وتكاثرت النصوص الشرعية على ضرورة إعمال العقل واستخدامه في التفكير والتذكر والنظر والتبصر والاعتبار، والاهتداء من أقرب الطرق وأصحها إلى معرفة الله وتوحيده، والتعرف على أسرار التشريع والخلق والكون، وبدائع أقدار الله وحكمه، والإفادة من ذلك كله فيما يعود بالنفع والخير على العبد في دينه ودنياه وآخرته، وأناطت الشريعة قيام التكليف بتوافر العقل، وضرورة حفظه فيما يفسده ويغيره ويعطل ملكته ويطمس نوره، وجعلت ذلك من الضرورات الخمس التي لا صلاح للعالم إلا بالقيام بها والحفاظ عليها، وأصبح التكامل بين الوحي والعقل عنوان التشريع فلا تعارض بين منهج المنقول وصريح المعقول. وأشار إلى أن العقل هو آلة الفهم والوعي والإدراك، وهو يعمل بكل كفاءة واقتداء إذا استنار بنور الوحي وآداب النبوة، واستفاد من تجارب الناس، واعتبر بأحداث الحياة والتاريخ وتقلب الأيام وتبدل الأحوال ومصارع الغابرين، فإن كل ذلك يزيد من عقله الغريزي ويوسعه وينميه ويكسبه عقلاً واعياً سديداً مجرِّباً، ويظهر عقلُ العاقل المهتدي بنور الله المجرب الواعي في مواطن كثيرة، فهو لا يقوم على أمر الله وأمر رسوله – صلى الله عليه وسلم – شهوةً ولا شبهةً، ولا قولاً ولا رأياً، وإذا اشتبه عليه أمران اجتنب أقربهما إلى الهوى، وهو دائم التفكير والتذكر والاعتبار بالمآلات والأحوال، والمحاسبة للنفس؛ مما يعينه على حسم الداء قبل أن يقع فيه، وتقديم العافية على البلاء، فإذا اُبتلي رضي وصبر، وهو يعلم أن البلاء موكل بالمنطق، فلذلك تراه يحرص على الصدق ويتخير الكلام النافع المفيد، ويحذر من آفات اللسان المردية التي تقدح في عقله ومروءته من الكذب – وهو أشنعها – والغيبة والنميمة والشماتة، وهو لا يأمر الناس بالبر وينسى نفسه، ولا يسأل عن أشياء لا تعنيه، ولا يتعلم فيما لا يحسنه فمن حسن عقل المرء وإسلامه تركه ما لا يعنيه، ومعرفته مقدار نفسه، وهو يعلم حقيقة الدنيا وأنها متاع زائل ولهو ولعب وتفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد، وزينة تخلب الألباب وتغر أهلها وتميل صاحبها فيأخذ عرض هذا الأدنى ويقول على الله غير الحق. حسب "واس". وأضاف فضيلته أنه يجب على المسلم العاقل أن يجل الكبير ويرحم الصغير، ويبر والديه، ويعطف على أهله وأولاده، ويكرم جاره وضيفه، ويصل أرحامه، ويهتم بأمر المسلمين ويعين على نوائب الدهر، وبكل حال فهو إلى كل خير أسرع، وعن كل زلة وخطأ ينيب ويرجع، فلله ما أهنأ عيشه وأطيب حياته، وأسعد نفسه وأشرح قلبه وصدره، وتلك جنةٌ معجلةٌ في الدنيا لا يدخلها إلا الموفقون المسددون الذين عقلوا عن الله وعن رسوله – صلى الله عليه وسلم -. واختتم فضيلته موصياً بأن النساء شقائق الرجال ولهن في كل ما ذُكر نصيب داخر، وكم من نساء المسلمين من كان لها في الماضي والحاضر مواقف العقلاء ومروءة النبلاء، ونقصان عقل المرأة إنما هو في أن شهادة رجل تعدل شهادة امرأتين ليس إلا كما بين النبي – صلى الله عليه وسلم – فكفوا أيها الناس عن تعيير المرأة بذلك، بعد بيان خاتم الأنبياء – عليه أفضل الصلاة والسلام –.