على ركام ضجيج يراه مفتعلا يواصل المسير، وعلى نقيض تيار يعتبره متعصبا يستمر في الابحار متسلحا بنص من الكتاب والسنة، اجاز الاختلاط بين الجنسين غير عابئ بدعوات التحريم التي صال وجال اصحابها بانتقاده في مختلف الدول الاسلامية لا المملكة العربية السعودية وحدها، فلم تزده هذه الانتقادات الا اصرارا على ايضاح الحق حسبما قال ومرجعه في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك. وفق هذا النهج وانطلاقا من «الفهم الدقيق» لصحيح الاسلام ونصوصه، عاود مدير فرع هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكةالمكرمة الشيخ الدكتور احمد بن قاسم الغامدي سبر غور «أصل الجائز والمحرم في الدين»، بإعلانه امس ان «الحجاب خاص بأمهات المسلمين وحدهن بنص آيته وسببها وسباقها وسياقها، فضلا عما تضمنته الاحاديث النبوية الشريفة في هذا الخصوص». فتوى الدكتور الغامدي الجديدة التي يُتوقع ألا تقل ضراوة تداعياتها عن مثيلاتها التي صاحبت فتواه السابقة حيال جواز الاختلاط، جاءت في معرض حديث له بثه موقع «العربية. نت»، أوضح خلاله انه: «اطلع على ردود من يصفون انفسهم بالرموز الدينية على خلفية اجازته الاختلاط، فلم تزده الا يقينا بما قرره»، مضيفا: «ان ما ذكرته من ادلة على جواز الاختلاط صحيح وصريح، رغم انني لم استوعب كل نصوص الجواز، وإنما اقتصرت على اصح واصرح النصوص في نظري، واكتفيت في العزو الى اصح المراجع مما لا يستطيع المخالف ان يشكك فيه بعدا عن الاطالة، ولم اجد لمن حاول الرد عليّ شيئا يستحق جوابا، فلم ار الا التجريح والاساءة لشخصي او التشويش والتشكيك في امور باطلة لتضليل الناس عن الحق، فزادني ذلك يقينا على يقيني، وقد ادعى بعضهم ان النصوص التي تدل على الجواز كانت قبل الحجاب وان آية الحجاب نسختها وهم يعلمون ان الحجاب خاص بأمهات المؤمنين بنص آية الحجاب، اضافة لما تضمنته الاحاديث الاخرى من النص على انها كانت بعد الحجاب، اي ان دعوى النسخ باطلة». ومضى الشيخ الدكتور الغامدي قائلا: «هناك من هول قولي هذا زعاما انه مخالف لفتوى كبار اهل العلم في المملكة وبعض المجتهدين، معتبرا ذلك حجة، وذلك لا يعد كونه تقليدا محرما مذموما وخروجا عن المنهجية الشرعية الصحيحة في الرد الى كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الاختلاف والتنازع لا التمسك بالآراء والتعصب لأصحابها من دون برهان». وإذ اكد الغامدي ان «العلم نقطة كبّرها الجهال، والخطاب الديني مع امتداد الزمن سيمتد معه الكثير من الخلل، غير ان المنهج الحق سيبقى في هذه الامة ما بقيت»، شدد على ان «الله سبحانه وتعالى لم يفرض على الناس لزوم اجتهاد واحد من اهل الاجتهاد دون غيره، بل اوجب الرد الى الكتاب والسنة عند التنازع، وذلك في مسائل الاجتهاد، مصداقا لقوله عز وجل: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً»، كما ان المشتبهات بين الحلال والحرام المقصود بهن في الحديث الشريف لا يعلمهن كثير من الناس، وإنما يعلمهن من وفقه الله من المجتهدين، واهل الاجتهاد مؤتمون على البيان بالبرهان والدليل وليس بالهوى والتعصب والاقاويل، وأمتنا بين فتور وقوة في ذلك، والخطاب الديني فيها تبع لذلك التجاذب الذي سيبقى الى قيام الساعة». ورداً عى من وصفهم ب «زاعمي الغيرة لله» ممن صبوا جام انتقاداتهم لحديثه عن جواز الاختلاط، وما اذا كان قد وجد تأييداً له من قبل المجتمع المحيط به، قال: «في الأيام الأولى من نشر رأيي لم أتبين اتفاقاً معي، وذلك لشدة طغيان الانفعال والافتعال الذي أحدثه من لا يوافقني الرأي، إلا انه شيئاً فشيئاً تبين لي وبجلاء شديد ان عامة افراد المجتمع ومن كافة الشرائح والاطياف ومنهم علماء وطلبة علم كبار، بل ومنهم طائفة من رجال الحسبة يؤيدون ما طرحته بشدة شرعاً وفطرة وعقلاً، اما من زعموا الغيرة لله وتداعوا الى انتقادي والاساءة لي، فقد تبين انه كانت لهم اغراض يريدون تحقيقها من خلال تصعيدهم المقصود ضدي، فضلاً عن انفعال صحيح أكثره لم يتحل فيه اصحابه بأبسط بدهيات حقوق المسلم على أخيه، كونه حفل بكثير من التجاوز والتعدي والاساءة تعصباً وتقليداً مقيتاً». ووجه الشيخ الدكتور الغامدي رسالة الى «رافضي الليبرالية» مؤداها انه «لابد ان نعلم ان ليس في الاسلام رجال دين وانما أهل علم، وكل مسلم أغناه الله بالانتساب الى الاسلام عن كل نسب فهو مسلم، ولا ينبغي أن ينسب الى غير الاسلام مادام متمسكاً باسلامه حتى لو أخطأ في فهم أو قصر في عمل، وليوقن المسلم بأن كل ما في الليبرالية أو غيرها من محاسن فهو في الاسلام على أكمل وجه وأحسنه، وإن جهله البعض أو كان سبباً في خفاء حسنه»، مستدلاً على صحة رأيه هذا بالقول انه «في مسألة الاختلاط كان القول بتحريمه هو الرائج لطائفة من أهل العلم، وهو القول السائد في السعودية لخلو الساحة من غيره ولموافقته العرف والعادات حتى اصبح كالامر المتفق عليه والمقطوع به الا عند من عرف الادلة، وكان القائلون بالتحريم في أمان من سطوة المتعصبين من أهل التقليد والعامة وغيرهم ممن لم يسمعوا خلاف ما يوافق العادة والعرف والمألوف». يذكر أن الشيخ الدكتور أحمد بن قاسم بن أحمد بن وافيه الغامدي من مواليد احدى قرى الباحة في جنوب السعودية 1384ه ويحمل درجة الدكتوراه بامتياز في الادارة العامة والتخطيط الاستراتيجي من جامعة أمباسادور الأميركية عام 2009 بنظام التعليم عن بعد، والماجستير بامتياز من نفس الجامعة في (القانون التشريعي) عام 2007 والبكالوريوس من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة كلية الاقتصاد والادارة (قسم المحاسبة). كما تتلمذ حسب سيرته على عدد من العلماء في فنون العلم المختلفة، وكان من ابرز شيوخه مفتي السعودية الراحل الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ عبدالله بن جبرين رحمهم الله وغيرهم. كما أجيز في الرواية من قبل عدد من المشائخ مثل الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، وعبدالله العقيل. ويشرف على اذاعة «المفاز» الاسلامية ببوركينا فاسو بأفريقيا، وله عدد من البحوث الحديثية والفقهية والاصولية. تنقل وظيفياً الى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجدة عام 1409ه وتدرج في وظائفها حتى كلف مديراً لادارة القضايا والتحقيق بفرع منطقة مكة، ثم رئيساً لهيئة مكة عام 1423ه الى وضعه الحالي مديراً عاماً لفرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكةالمكرمة من عام 1427ه وحتى الآن.