مع تغير الأجواء هذه الأيام تذكرت مقولة سمعتها من والدتي يرحمها الله : ( من طوَّل الغيبات جاب الغنائم) هاقد جاءنا الشتاء وكثيرون ينتظرونه بشتى أنواع الأشواق، والأهداف والمبتغى. زوايا متعددة كل بحسب هواه ومراده. ( وفي حقيقة الأمر لابد أن نُجمع على هدف واحد أسما وأرقى من كل هدف ): إنه الغنيمة الباردة، التي نستغل فيها وقت الشتاء، وكأنه غنيمة حصلنا عليها بكل سهولة، وبالمقابل نعمل بجهد مضاعف. إنها عبادة صوم النهار، ونهار الشتاء قصير، وقيام ليل الشتاء، وليله طويل، والكثيرون يعرفون ويدركون فضل قيام الليل. من هنا كان الشتاء غنيمة لمن استغله أفضل استغلال.. أيها القراء: كم نحن بحاجة أن ندعو من خلقنا لعبادته بأن ينجينا من عذاب جهنم، ذلك العذاب الذي منه الزمهرير ( شدة البرد) نسأل الله العافية والنجاة من ذلك.. ها هو الشتاء بأجوائه الجميلة يخبرنا أن الله رزاق كريم يرينا جمال الدنيا ويتيح لنا فرصًا عظيمة لنتقرب إليه، لم يجعل كل ما في الحياة محرمًا إنما المباح كثير، ولن يكون ذا طعم ومتعة إلا فيما يرضي الله. ولكي نستشعر نعم الله تعالى، هيا بنا نستعرض بصورة سريعة بعضًا من نعم الله، خاصة في وقت الشتاء. كم من أناس جعلوا للشتاء أماكن مخصصة وأكلًا مخصصًا، بل وعطوراتٍ مخصصة، بالإضافة إلى الكثير والكثير من ملابس الشتاء المتنوعة، فاللهم أوزعنا أن نشكر نعمك كما ينبغي. يامن اشتقتم للشتاء: فصل الشتاء ليس للأكل واللهو فقط؛ إنما ( الأصل عبادة الله) قال الله تعالى : { وَ0بْتَغِ فِيمَآ آتاك 0للَّهُ 0لدَّارَ 0لآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ 0لدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ 0للَّهُ إِلَيْكَ } وقد نقل أحد الفضلاء أقوالًا للسلف، حول الشتاء وفضل استغلاله في الأعمال الصالحة منها: قال عمر - رضي الله عنه –(الشتاء غنيمة العابدين)) وقال ابن مسعود: ((مرحباً بالشتاء؛ تتنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام)). ومن درر كلام الحسن البصري: ((نِعْم زمان المؤمن الشتاء؛ ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه))، ولذا بكى المجتهدون على التفريط - إن فرطوا - في ليالي الشتاء بعدم القيام، وفي نهاره بعدم الصيام. ورحم الله معاذاً حيث قال: ((لولا ثلاث: ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ولذاذة التهجد بكتاب الله ما باليت أن أكون يعسوباً)).** وإنما كان الشتاءُ ربيعَ المؤمن؛ لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، وينزه قلبه في رياض الأعمال الميَسَّرة فيه، ويصبر المؤمن في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة، ولا كلفة تحل به من جوع ولا عطش، وكان أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه – يقول: (( ألا أدلكم على الغنيمة الباردة؟ قالوا: بلى. فيقول: الصيام في الشتاء)). وقيام ليل الشتاء يسير؛ لطوله فيمكن للنفس أن تأخذ حظها من النوم، ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة؛ قال ابن رجب - رحمه الله -: "قيام ليل الشتاء يعدل صيام نهار الصيف"، ومن فضائل الشتاء أنه يُذكِّر بزمهرير جهنم، ويوجب الاستعاذة منها. ذكر ابن رجب في حديث أبي هريرة، وأبي سعيد - رضي الله عنهما - عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إذا كان يوم شديد البرد فإذا قال العبد: لا إله إلا الله ما أشد برد هذا اليوم، اللهم أجرني من زمهرير جهنم، قال الله تعالى لجهنم: إن عبداً من عبادي استجار بي من زمهريرك وإني أشهدك أني قد أجرته، قالوا: وما زمهرير جهنم؟ قال: بيت يلقى فيه الكفار فيتميز من شدة برده)). أيها الفضلاء: انعموا بنعم الله، وتحدثوا بها، ولا تنسوا تفضل الله عليكم بها. كم نحن مقصرون في حق الله تعالى وكم أمهلنا وأمهلنا، فهل نستحق هذا الإمهال؟! اللهم ردنا إليك ردًا جميلًا..