قبل أربعة وثلاثين عامًا حينما كنت في المرحلة الثانوية أردت زيارة أحد زملائي في الصف! توجهت إلى منزله وعندما وصلت، استخدمت منبه السيارة بدلًا من جرس الباب، فخرج علي والده -رحمه الله رحمة واسعة-، والذي لم يكن يعرفني ولم أره أو يرني من قبل، أشار إليّ بأن أنزل، وبالفعل نزلت من السيارة وتوجهت إليه، فاستقبلني بكل حفاوة وأدخلني إلى مجلسه العامر -غفر الله ذنبه-، أجلسني وأحضر القهوة والتمر ثم الشاي، كل هذا وأنا بين يدي رجل أعطاه الله بسطةً في الجسم والعلم والسلطة، بدأ التحقيق، ولم أتذكر إلا دعاءً رددته بيني وبين نفسي، "اللهم حوالينا ولا علينا". ابتدأ بسؤالي عن اسمي التساعي، ومن أي أرض الله أنا، وأين يعمل والدي، وكم درجاتي خلال الفصل الدراسي الأول، وبعد عشرات الأسئلة التي اختتمها بسؤال غريب ومفاجئ، وهو كم المدة التي يقضيها المزارع منذ أن يضع البذور إلى أن يصرم الثمره؟! فقلت له -رحمه الله-: حسب نوع الحبوب، منها ما هو بين 3-4 أشهر ومنها ما هو أكثر، فقال لي: لقد استغربت من سؤالي الأخير فقلت له: نعم، قال لي -رحمه الله-: المزراع يا ولدي يهتم بمحصوله ويحميه من الجراد والطير والآفات حتى لا تضيع عليه الثمرة ويخسر تعب سنة فيعيش طول هذه السنة فقيرًا، جائعًا ومعدمًا، هذا المزارع يا ولدي، فكيف بالأب حينما يستغرق 20 عامًا في التربية والمتابعة والخوف على ابنه! ثم يأتي من يفتك بهذه الثمرة التي نعمل ونجتهد ونخاف ونتابع ونسهر الليالي الطويلة من أجل أن تكون ثمرة صالحةً. ثم قال: أرجوك أن لا تتضجر من أسئلتي وحرصي على ثمري. مرت هذه الكلمات وقتها مرور الكرام، ولمّا أصبحت أبًا عرفت أن كل كلمة قالها ذلك الرجل المهاب -رحمه الله- تكتب بماء الذهب. الأبناء ثمرة، مسكين من لم يحافظ على ثمرات العمر. اللهم احفظ شبابنا وشباب المسلمين. بقلم / مشبب محمد حاضر