✒ما أجمل الذكريات التي تجول في الخاطر عند قدوم شهر رمضان المبارك والذي يطلُّ علينا ضيفًا كل عام، وسرعان ما يرحل ؛ مخلدًا وراءه من الأحداث ما تكتنفه النفس ويبقى في الذهن ليصبح محطة يقف عندها كل مسلم ومسلمة. ومن هذه الذكريات والأحداث العالقة في الذهن عن هذا الشهر الكريم ما يلي: أولًا: نزول القرآن الكريم : قال تعالى ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185] فما أجملها من ذكرى حينما نتذكر نزول الوحي بكلام الله عزَّ وجل القائل﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا 0لذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} [الحجر: 9]. فهو محفوظ بأمر الله تعالى وهنا تقرير لاعتقاد أهل السنة والجماعة وهو : «أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود». *فبهذا الوحي هدى الله البشرية للإسلام، وبه تستقيم حياتنا، قال صلى الله عليه وسلم : (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي) . فالقرآن الكريم هو حبل الله المتين: فالزم يديك بحبل الله معتصمًا فإنَّه الرّكن إن خانتك أركانُ ثانيًا: الانتصارات الخالدة : فنتذكر في هذا الشهر الكريم غزوة «بدر الكبرى» وهي أول معركة من معارك الإسلام الفاصلة والتي قد انتصر فيها المسلمون على جحافل المشركين وذلك في السابع عشر من شهر رمضان المبارك يقول حسان*بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه شاعر الإسلام: وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمدُ ونتذكر كذلك غزوة «فتح مكة» والتي كانت لعشر خلون من الشهر الفضيل، قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه «زاد المعاد» (2/160) : (هو الفتح الأعظم الذي عز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدى للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عِزَه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس به في دين الله أفواجًا، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجًا). وفيها يقول حسان*بن ثابت الأنصاري: عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداءُ فإما تعرضوا عنا إعتمرنا وكان «الفتح» وانكشف الغِطاءُ وإلا فاصبروا لجلاد يوم يعز الله فيه من يشاءُ ثالثًا: فقيد البيت والمقام: إنه صاحب الصوت الخاشع، والدمعة العابرة، وصديق الوالد، فضيلة الشيخ عبد*الله*بن محمد الخليفي رحمه الله إمام وخطيب المسجد الحرام، والمتوفى عام 1414ه، فطالما صلى بنا المغرب، ودعا بالمسلمين في صلاة التراويح فبكى وأبكى، وإن من وصاياه رحمه الله نصيحة للشباب يقول فيها: (نصيحتي للشباب الأعزاء أن يتقوا الله سرًا وعلانية، وأن يتمسكوا بدينهم، وأن يفارقوا صحبة الأشرار، ويلزموا صحبة الأخيار، لأن مودة الأخيار سريع اتصالها، بطيء انقطاعها، ومودة الأشرار سريع انقطاعها وبطيء اتصالها، ومن صادق الأشرار لم يسلم من الدخول في جملتهم، فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب لئلا يكون مريبًا، وأركز في دعائي وخطبي على الشَّباب المسلم لأني أرى أن الشَّباب هم الأمل للمجتمع الإسلامي، فإذا صلح الشَّباب صلح المجتمع، ومن هذا المنطلق فإني أدعو لهم دائمًا في الحرم وغيره بالتوفيق والهداية وأن يكونوا ملتزمين بآداب الإسلام). فرحم الله الشيخ الخليفي وأسكنه فسيح جناته ولسان الحال يقول له: سماء مكة في أرجائها قطع من السحائب قد غطت نواحيها هذا هو الشيخ عبد*الله قد صرمت حبال أيامه والموت طاويها هذا الخليفي له منا الدّعاء بها لعل طوبى له زانت مبانيها رابعًا: على مائدة الإفطار: إنه البرنامج التلفزيوني الذي يعرض في ليالي هذا الشهر الكريم لفضيلة الشيخ الأديب علي الطنطاوي رحمه الله والمتوفى عام 1420ه، والذي امتاز بطرحه الشيق والأسلوب الراقي لما يهم المسلم بعد إفطاره، وقد استمر قرابة ربع قرن فنال القبول والاستحسان لدى الكثير من المتابعين، كما ناله برنامجه الاسبوعي الآخر «نور وهداية» والذي كان يستقطب المشاهدين بعد صلاة الجمعة لما يحتويه من أفكار وفتاوى ذات اهتمام كبير بحل الكثير من المشاكل الاجتماعية؛ وإن من أقواله المأثورة قوله : (بعد تجارب ثماني وسبعين سنة كاملة في هذه الحياة، رأيت فيها خيرها وشرها وذقت من حلوها ومرها، أقول لكم : من اغتر بهذه الدنيا واطمأن إليها فهو أحمق). وقد حاز رحمه الله على جائزة الملك فيصل إزاء جهوده العلميّة والدّعوية. مضى عليَّ أديب الفقه شيعه حب عظيم وآلام أداريها وشيعته نفوس طالما شربت من نبع حكمته ما كان يُرويها مضى الأديب العصامي الذي احتفلت به البلاغة وازدانت روابيها خامسًا: دروس العشر الأواخر: لقد اعتاد شيخنا الزاهد فضيلة الشيخ محمد*بن صالح العثيمين المتوفى عام 1421ه رحمه الله على إقامة دروسه العلميّة كل عام في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك بالمسجد الحرام، بعد صلاة الفجر إلى الإشراق، ومن بعد صلاة التراويح إلى القيام من كل يوم، يشرح فيها آيات من الذكر الحكيم ويسرد فيها جملة من الأحكام الفقهية والمسائل الأصولية والعقدية والحديثية، وقد ارتبطت شخصيًا بحضور حلقاته العلميّة منذ عام 1408 ه فاستفدت من علمه الغزير الذي استفاد منه الجميع المقيم والزائر والمعتمر، وكان شيخنا قمة في التواضع والبساطة ونموذجًا للعالم الرباني الذي يربي طلابه بصغار العلم قبل كباره، وكانت له غرفة بالحرم المكي يجلس فيها عصر كل يوم من العشر الأواخر يفيد الطلاب ويجيب على أسئلة المستفتين عبر الهاتف، ومن مأثور قوله : «ينبغي للإنسان أن يفعل الأسباب التي تكون بها ذريته طيبة، ومنها: دعاء الله وهو من أكبر الأسباب؛ وقد ذكر الله سبحانه وتعالى عن الرجل يبلغ أشده أنه يقوله﴿وَأَصْلِحْ*لِي فِي*ذُرِّيَّتِي*ۖ إِنِّي*تُبْتُ*إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ*﴾ [الأحقاف: 15]. ولا شك أن صلاح الذرية أمر مطلوب؛ لأن الذرية الصالحة تنفعك في الحياة وبعد الممات» وقد كانت جنازته من أكبر الجنائز بمكة حضورًا رحمه الله - وأسكنه فسيح جناته: بالله يا مكة الغراء ماذا جرى يوم الوداع أذابت حولك المقل وساحة الدرس بحر في خوافقنا يحدو بها الشوق لا يحدو بها الأمل حب العثيمين بحر في خوافقنا مهما انطلقت إلى مرساه لا تصل وفي هذا الشهر الكريم (رمضان) نستلهم الذكريات ، ونتدارس القرآن ، وندعو الله عزَّ وجل أن يتقبل منا ومن جميع المسلمين صيامنا وقيامنا، وأن يجعلنا من عتقائه من النار، وأن يرفع عنا الوباء وعن العالم أجمع في كل مكان إنه سميع مجيب. ----------------------------------------