✒ إن من أعظم الحقوقِ وأَجَلُها في دستورِ الحياة البشرية وأعلاها منزلةً هو حقُّ اللهِ تعالى بعبادتهِ وحده وتعظيمُ شأنه واتباعِ منهجه ثم تليها منزلةً في الحقوق هي حقوقُ الخلقِ والعباد ومن أقدس تلك الحقوق هو (بِرُ الوالدين) ويُعدُّ من أعظم تِلكَ الفرائضِ والعبادات والأعمالِ الصالحة وهي جنةُ الدنيا للأبناء ونعيمٌ صالحٌ لهم يبقى به الأثر إلى حينِ قيامِ الساعة . قال تعالى (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) فالبرُّ بالوالدين هي العبادة ُ التي اقترنت بعبادة الله وحده وتصدرتْ قمةُ الهرم لأعظمِ شعائر الدين وهي مُقدمةً على ذروةِ سنامِ الإسلام وهو الجهاد في سبيل الله ورُوى ذلك في حديثِ ابن مسعود رضي الله عنه قال :سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم ((أي العمل أحب إلى الله ،قال الصلاةُ في وقتها ،قلتُ ثم أي ؟قال :بر الوالدين ،قلت ثم أي ؟قال :الجهادُ في سبيل الله )) لذا من يتمتعُ والديه اليوم بنعيم الصحة والحياة يجب عليه أن يلزم عتبة البِرِّ بهم ويتجردُ من كلُّ مفاخر الدنيا ومناصبها ويحْسِنُ إليهما فالجنةُ الحقيقية في الدنيا هي البر بهما فاخفض لهما جناح َ الذلَّ واكسبْ محبتهم واسقيهم من غيثِ الرحمةِ الإلهية واملأْ بنكَ الخيرِ في الدنيا برصيدِ البرِّ والإحسان بهما من أجلِ أن تنعمَ بذلك الرصيدِ غداً في الآخرة . اليوم وفي هذ الزمن بالتحديد نحنُ بحاجةٍ ماسة إلى أن نُعيدَ النظر في طريقةِ البرِّ بوالدينا والإحسانِ إليهما والرعايةَ بهم فقد جَهِل البعضُ منا منزلةَ الوالدين العظيمة وكيفية البرِّ بهما والتعاملُ معهما والتماسْ رِضاهما والحرصُ على حُقوقِهما ورعايتهما عند الكبر في ظلّ عصرِ العولمةِ والإنشغالُ في دهاليزِ التقنية الرقمية عن الوفاء والأُنسُ مع الوالدين والأهتمامِ بحقوقهم، فالبرَّ بهم سيلٌ سينقطعُ يوماً ما ويجفُّ ذلك النبع لتبقى أنت في عَطشِ الحياة مهما ارتويت من منابعها فلن يرويكَ أيُّ نبعٍ سوى البرُّ بهم والإحسانُ إليهم . *قال تعالى ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا***وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) فإن الوالدين لهم منزلةٌ قد تعلو آفَاقَ الفضاء وتصلُ لأعلى مراتبَ الجنان ومهما صنعت لهم فلن تُضاهي صنيعهم أبداً ومهما قدمت لهم في هذه الحياة من معرووف ولو جزءاً بسيطاً لن تصل إلى مرحلةِ الكمال في عطائهم و0حسانهم لك لأن حقهما عظيم. وعليك أن تبقى البر بهم هو ميراثك الحقيقي في الدنيا ونعيمُك غداً في الآخرة إحسانُك لهم ستنالُ به الراحةٓ واللذةَ في القلب وقد يغبُطك الكثير عليها ولن يتحققُ لكَ الأنسُ إلا في سعيك بحقوقهم والقيامَ بواجباتهم والتلطف معهم والصبرُ عليهم ورعايتهم عند كبرهم حين يصلوا إلى مرحلة الوهن والضعف ويكسوا المشيبَ جوارحهم فإنهم بحاجة إلى بر يصحبه سعةُ صدر ورحمة وعطف ورضا لما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدُهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة). إن البعض منا قد رحلت جنته من الدنيا إن كان أباً أو أماً أو كلاهما فلا تقفُ بالبرّ عند رحيلهم فهم أشد حاجةً له بعد أن أصبحا في أولى منازل الآخرة وانقطع سبيلُ العملِ لهم. فالبرُّ بهما الحقيقي لا ينقطع بعد رحيلهما بل يزداد ويكون بالدعاء والعمل الصالح لهم فهم في شوقٍ لأي عمل ودعاء قد يصل ُثوابه إليهم . فالجنةُ هي البرُّ بالأباء والأمهات وإكرامهم في الحياةِ وبعد الممات لاتغفل عن ذلك فالذكرى تنفعُ المؤمنين. وقد نجدُ الكثير في هذا الوقت من الأبناء من جسد لنا البر بوالديه بأسمى المعاني واعمق العواطف وأرقى القصص والعبر وحظي بخير الدنيا من طول العمر وبركةً في الرزق وتجهيز الأبناء للبرّ به من أجل استرداد الدين غداً حينما يصل إلى مرحلة الوهن والكبر . إذا ماشئت أن تحظى الجنانَا فكرم والديك ترى الحنانا وقف أدباً أمامهما وامتثالاً لأمر الله والتزم الأمانا وعطر فاك في لثم اليدين وأرضهما ولاتخشى الزمانا وكن متلطفاً في كل بر فلن تلقى المذلة والمهانا لحظةُ تأمل : إن بر الوالدين جنةٌ في الأرض لك أنت من سيجني ثمارها مدى العمر .