أظهر أحدث بيانات صدرت عن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، حول تطورات العمالة في منشآت القطاع الخاص بنهاية الربع الثالث من العام الجاري، انخفاض أعداد العمالة الوافدة منذ بداية العام بنسبة 9.8 في المائة "انخفاض 778.9 ألف عامل وعاملة"، قابله أيضا انخفاض أعداد العمالة الوطنية بنسبة 3.4 في المائة "انخفاض 60.6 ألف عامل وعاملة"، وهو الأمر الذي تكرر للربع الثالث على التوالي خلال العام الجاري، أن يتزامن انخفاض العمالة الوافدة مع انخفاض مماثل لدى العمالة الوطنية، لكن بنسبة انخفاض أدنى. بالبحث في تفاصيل تلك التراجعات المقارنة، تظهر التغيرات في أعداد العمالة لدى منشآت القطاع الخاص "مواطنين، وافدين"، التي تفسر جزءا كبيرا من حقيقة تلك التراجعات، حيث أظهرت البيانات تركز الانخفاض لدى العمالة الوافدة بنسب أكبر على الوظائف الأدنى أجور شهرية، وصلت إلى 97 في المائة من إجمالي الانخفاض للوظائف التي تبلغ أجورها 3000 ريال شهريا فما دون، ووصلت نسبة الانخفاض لدى هذه الشريحة الأدنى دخلا منذ مطلع العام الجاري إلى 10.9 في المائة "انخفاض 755.6 ألف عامل وعاملة"، فيما بلغت نسبة الانخفاض لدى العمالة الوافدة ذات الأجور 3001 - 4999 ريالا شهريا نسبة أقل بلغت 3.7 في المائة "انخفاض 14.3 ألف عامل وعاملة"، وبلغت نسبة انخفاض العمالة الوافدة ذات الأجور 5000 - 9999 ريالا شهريا نسبة أقل لم تتجاوز 2.5 في المائة "انخفاض 8.4 ألف عامل وعاملة"، وأخيرا شريحة الأجور عشرة آلاف ريال شهريا فأعلى جاءت نسبة الانخفاض الأدنى بنحو 0.2 في المائة فقط "انخفاض 551 عاملا وعاملة فقط"! فيما جاءت نسب التغير للعمالة الوطنية للفترة المقارنة نفسها على النحو الآتي: انخفاض الوظائف لشريحة الأجور 3000 ريال شهريا فما دون بنسبة 9.7 في المائة "انخفاض 81.9 ألف عامل وعاملة"، فيما لم تتجاوز نسبة انخفاض وظائف شريحة الأجور 3001 - 4999 ريالا شهريا نحو 1.0 في المائة "انخفاض 3.8 ألف عامل وعاملة"، مقابل ارتفاع وظائف شريحة الأجور 5000 - 9999 ريالا شهريا بنسبة 4.0 في المائة "ارتفاع 13 ألف عامل وعاملة"، وارتفاع بنسبة أكبر لوظائف شريحة الأجور عشرة آلاف ريال شهريا فأعلى بلغت 5.5 في المائة "ارتفاع 12.1 ألف عامل وعاملة". تؤكد البيانات والتطورات التفصيلية أعلاه العديد من النقاط المفصلية، أولها: أن الوظائف الأدنى أجورا ومهارة التي كانت مشغولة بعمالة وافدة، في الغالب لا يمكن أن يتم إحلالها بمواطنين ومواطنات، وهو الأمر الذي طالما تم الحديث عنه والتركيز عليه منذ بدأت وزارة العمل بتنفيذ برامج نطاقات مطلع 2011، وأن التوظيف الذي شهدته هذه الوظائف خلال فترة ماضية 2012 2015 كان في الغالب عبارة عن توظيف وهمي، بدأت سوق العمل المحلية منذ مطلع الربع الأول 2016 بالتخلص منه، وهو ما يفسر وصول الوظائف المفقودة في تلك الشريحة من الأجور الشهرية المتدنية خلال الفترة 2016 2018 إلى نحو 117.8 ألف وظيفة، كان يشغلها مواطنون ومواطنات، مقابل ارتفاعها بأكثر من 112 ألف وظيفة في الوظائف الأعلى دخلا. ثانيا: إن برامج التوطين السابقة قصرت عن تحقيق أهدافها المأمولة، كونها لم تفرق منذ تصميمها بين الفروقات المهمة للوظائف والمؤهلات والخبرات اللازمة لها، ولهذا شهدت سوق العمل المحلية قصورا في توطين الوظائف الأعلى دخلا، مقابل استمرار احتفاظ العمالة الوافدة بمواقعها الوظيفية، إن لم يكن قد ارتفع في الغالب منها حسب النشاطات المختلفة، بل ارتفع في المناصب القيادية والتنفيذية لدى منشآت القطاع الخاص لمصلحة العمالة الوافدة، على حساب العمالة الوطنية، وهو الأمر الذي غاب عن آليات برامج التوطين السابقة والراهنة، واستمر كذلك حتى مع تطبيق رسوم العمالة الوافدة، دون أن تفرق بين الوظائف الدنيا والأقل دخلا شهريا من جانب، ومن جانب آخر الوظائف المتوسطة والعليا ذات الدخل الشهري الأعلى. تقتضي هذه التطورات المهمة جدا، أن يتم أخذها بعين الاعتبار من قبل وزارة العمل، وهي التي تستهدف خلال أقل من ثلاثة أعوام خفض معدل البطالة بين المواطنين والمواطنات إلى 10.5 في المائة، مقارنة بمستواه الراهن القريب من 13 في المائة، وأن تبدأ بالتحرك سريعا نحو ابتكار برامج توطين تستهدف المستويات الإدارية المتوسطة والأعلى، تختلف جذريا عن البرامج الراهنة بما فيها المبادرات الأخيرة، وأنه سيكون أكثر سهولة عليها المضي قدما في هذا الاتجاه، كونه الطريق الأكثر قبولا لدى الباحثين والباحثات عن فرص عمل في منشآت القطاع الخاص، الذي سيلبي تطلعات الجميع دون استثناء، ويحقق فعلا وبصورة أكثر جدية الأهداف المأمولة، التي يأتي في مقدمتها خفض معدل البطالة بين المواطنين والمواطنات. لا بد أن تبدأ برامج التوطين من الأعلى إلى الأسفل، على العكس تماما مما هو قائم الآن، الذي أثبتت التطورات على أرض الواقع عدم وفائه بالأهداف النهائية منه، ولدى وزارة العمل الكثير من الخيارات المتاحة، التي يمكن الاعتماد عليها في اتجاه تحقيق هذا الهدف المنشود، ولعل مما يجب ذكره هنا، أن تبدأ بتغيير قواعد احتساب رسوم العمالة الوافدة من مجرد مبالغ ثابتة، لا تأخذ بالاعتبار الأجور الشهرية المدفوعة، لتحولها إلى رسوم يتم احتسابها بناء على مستوى الدخل، لتكون نسبة مستقطعة من الأجر الشهري المدفوع للعامل الوافد، وكذلك الحال بالنسبة للرسوم على المرافقين والتابعين للعامل، دون إغفال أهمية تصميم برامج لتوطين المناصب القيادية والتنفيذية، التي سبق الحديث عنها مع وزارة العمل في أكثر من مقام ومقال، سواء من قبلي أو من قبل العديد من المهتمين والكتاب. والله ولي التوفيق.