تنص "رؤية المملكة 2030" فيما يتعلق بمحور "وطن طموح حكومته فاعلة"، على أن المملكة ستستفيد من أفضل الممارسات العالمية لتحقيق أعلى مستويات الشفافية والحوكمة الرشيدة في جميع القطاعات. والحوكمة الرشيدة بجميع أنواعها ومستوياتها تنص على أهمية التقرير، لا بد أن يكون للمنظمة تقرير واضح تتواصل من خلاله مع جميع شرائح أصحاب المصلحة الرئيسين. وفي هذا السياق أيضا تأتي "رؤية 2030" لتؤكد أنه سيتم تدعيم قنوات التواصل بين الأجهزة الحكومية من جهة وبين المواطن والقطاع الخاص من جهة أخرى، والتقرير الذي تصدره الجهة الحكومية هو أهم قنوات التواصل المنشودة. حتى اليوم ومع الأسف الشديد لم تزل هذه التقارير بعيدة كل البعد عن ممارسة دورها المنشود، والكثير من الجهات لا تنشر تقريرها أبدا، حتى إن الموظفين في الجهة الحكومية نفسها لا يدركون أن هناك تقريرا عن الجهة الحكومية التي يعملون فيها، ولا تجد في الموقع الإلكتروني في الجهات الحكومية إشارة إلى تقاريرها السنوية، فضلا عن أن يكون هذا التقرير مناسبا ويقدم معلومات تحقق أفضل الممارسات العالمية. لا شك أن "رؤية المملكة 2030" تمثل فرصة حقيقية لتطوير كثير من القضايا والممارسات الإدارية في الجهات الحكومية، وأخص بالذكر هنا تطوير التقرير عن الجهة الحكومية. وعندما أشير إلى التقرير هنا فهذا يشمل "فعل" التقرير وعملية إعداده حتى المسؤولية عن التقرير، فالممارسات الدولية تهتم اليوم بشكل واسع بقضايا الحوكمة الاقتصادية، وهذا يعني أن تقارير الجهات الحكومية في مجملها يجب أن تقدم تواصلا صادقا يمكن الوثوق به عن إدارة الاقتصاد وتوجهاته، ولهذا يجب أن تكون كل جهة حكومية ملتزمة بمعايير دقيقة عند إعداد تقريرها. ولتحقيق معاني ومفاهيم الحوكمة الاقتصادية في التقارير الحكومية، فإنه يجب أن تتم عملية إعداد التقرير وفقا لمعايير تخضع لها جميع الجهات، وهذا سيضمن أمورا مهمة جدا، أولها القابلية للمقارنة، فالتقارير التي يتم إعدادها وفقا للإطار نفسه تكون قابلة للمقارنة فيما بينها، كما أن المقارنة بذاتها تحقق الشفافية المطلوبة، وعلى هذا فالالتزام بإطار موحد لإعداد التقارير الحكومية يرفع من مستويات الشفافية التي هي مطلب أساس في "رؤية المملكة 2030". على هذا الأساس فإن تطوير وبناء إطار موحد لإعداد التقارير الحكومية أصبح مطلبا ملحا اليوم، ونعم هناك المادة رقم "29" من نظام مجلس الوزراء التي تنص على أنه: "على جميع الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى أن ترفع إلى رئيس مجلس الوزراء خلال 90 يوما من بداية كل سنة مالية تقريرا عما حققته من إنجازات مقارنة بما ورد في الخطة العامة للتنمية خلال السنة المالية المنقضية، وما واجهها من صعوبات وما تراه من مقترحات لحسن سير العمل فيها". إلا أن هذا النص لا يمثل إطارا يحقق مفاهيم الحكومة الاقتصادية، كما أنه لا يحقق القابلية للمقارنة بين الجهات الحكومية، ولا يوفر شروطا عامة يجب الالتزام بها، لكنه كأساس نظامي كافٍ لتبرير الطلب على بناء إطار لإعداد التقرير الحكومي. لعل أهم مبادئ إعداد التقرير في المنظمات بأنواعها هو الثقة بالمعلومات الواردة في التقرير، وهذا لا يتحقق بمجرد أن تعلن الجهة الحكومية تقريرها، إذ إن الممارسات الحالية تشير بكل وضوح إلى أن إعداد التقرير يتم بصورة غير منضبطة، وتقوم به إدارة العلاقات العامة كجزء من مهامها الإعلامية، فالتقرير يذهب إلى تقديم صورة جميلة إعلامية عن الجهة الحكومية، وهذا لا بأس به لكن الموضوعية في التقرير قد تتعرض للخلل بسببه، فلا بد أن يكون للمسؤولين عن الجهة الحكومية "الوزير ونوابه الوكلاء أو مجلس الإدارة في جهات أخرى" مشاركة فاعلة في إعداد التقرير، من حيث تخصيص اجتماعات لدراسة التقرير والتأكد -بل حتى الإقرار في صفحة مستقلة من التقرير- من أنه بشكله العام يصف صورة صحيحة عادلة عن أعمال الجهة الحكومية وأنشطتها ومواردها، هذه المسؤولية عن إعداد التقرير مهمة جدا، لأنها تضع المسؤولين في الجهة الحكومية تحت ضغط الإقرار السنوي بشأن استخدام الموارد وما ورد في التقرير من إنجازات وغيرها ويقع عليهم عبء العمل السنوي. من المبادئ المهمة جدا في إعداد التقرير هو الترابط بين المعلومات فيه، فالفكرة الأساسية من أي تقرير لأي منظمة أنه يمثل التفكير الجماعي فيها، ويعكس بوضوح عمل إداراتها الجماعي لتحقيق هدفها، ولهذا فإنه "إذا تم إعداده في أفضل حالاته" سيعكس الترابط بين هذه الإدارات، فالإدارة الفاعلة المتوازنة تظهر في شكل تقرير متوازن مترابط بين المعلومات والعلاقات، ومن مظاهر هذا الترابط في التقرير هو الارتباط بين المعلومات. الترابط بين المعلومات يتضمن المقارنة بين السنوات والفترات وبين المؤشرات والأداء الفعلي، هذه المعلومات يجب أن تقرأ في سياق الترابط بينها، وهذا يتطلب أمرا في غاية الأهمية وهو الاتساق والثبات عند إعداد المعلومات، فلا تظهر المعلومات في سنة مختلفة عنها في أخرى، فذلك يُفقد المعلومات ترابطها ونفقد نحن القراء والمحللين قدرتنا على المقارنة وبذلك يفشل التقرير في عدم القرار. خلاصة القول في هذه المساحة إن تطوير إطار موحد لإعداد التقارير الحكومية يتضمن مبادئ عامة مرنة أصبح مطلبا مهما اليوم لتحقيق "الرؤية"، وأيضا لتحقيق حوكمة اقتصادية مطلوبة عالميا.