عندما يتعرض الإنسان لنكسات مهنية أو عاطفية أو مالية. فإن اختلاج تلك العواطف بين القلب والعقل يحدث نوعا من الانفصال الوجداني لتصبح التصرفات أحيانًا غير مسؤولة وطابعها النزق والتهور واختلاق الأعداء. فالإنسان يهرب ممّا يعتقد أنه فشل في شأن من شؤون حياته ويسعى لطمس كل خطواته على ذلك الطريق . وتنهال عليه الأفكار السلبية لتضخم ذلك الخطأ, وتبرمج عقله للإمعان في جلد الذات بعدما أقام على نفسه جريمة الفشل وناصبًا قاضيا وشهودا وقرائن دالة. ولن ينتج عن تلك المحاكمة إلا المزيد من العقبات والكثير الكثير من الألم. ألم الفشل يبدد كل جميل في الحياة فلا لذة لطعام أو شراب , ولا راحة في نوم أو حتى سِنة عابرة , ولا قرار في مكان أو ساحة حتى ولو كان في أبهى بقاع الدنيا. الوقوع في وهم الفشل، يولد أزمة العجز وهو شعور يتسلط على الإبداع فيبدده ويظهره باهتا ممجوجا لا فائدة منه. ويستهلك الطاقة الدافعة ليتركنا كسالى نرسفُ في قيود التماهي والانغلاق فلا نكاد نرفع قدما للأمام إلا وتسلبنا تلك القيود لذة التقدم وتقهر إرادتنا لتحط قريبا جدا من موضعنا السابق إن لم نرجع للوراء خطوات ، لتصبح مسافة الألف ميل قرونًا من التهادي يمنة ويسرة. أزمة الفشل هي مرض بغيض يفقدنا كل جميل. ويجعلنا نقبعُ في دائرة البداية أُسارى للأفكار السلبية حتى تُطوى صفحاتنا وتنهار قوانا لنصبح قائمة من التماثيل تقف في طريق المستقبل لتنتحر أمامها كل الحياة. ولتتسلط علينا أدوات التصحر فتذرونا رياح التغير العاتية فتشكلنا كما تشاء لا كما نريد. وتتنادى حولنا ركبان التغير لتحمل من خيراتنا كل ما هو جميل وثمين لتقايضنا بها كماليات هشة سريعة التلف. بليغة التأثير لتمحو ماضينا وتغرينا بحاضر غيرنا الذي يسلبنا أجمل مآثرنا. ويرغمنا أن نتقمص هيئات وصورا لا تتفق وحاجاتنا ورغباتنا. التقوقع على الذات شديد المعتمة يفقدنا آلية التماشي مع المحيط المتقدم , فعقدة الفشل مسببة للإحباط ومبددة للأمل وزارعة للألم. ولذا فإن الانخراط في معترك التجربة بما فيها من إخفاقات متوقعة سبب أصيل لتحقيق النجاح وقائد للتغيير ومولد للإنجاز ومحقق للغاية. إن اخفاقة واحدة مع إصرار على النجاح تصبح ثورة تقدمية. ونقلة نوعية في تحقيق التطور. ومن هنا نصل إلى أن الطريق الصحيح للإبداع تجربة جادة حتى وإن فشلت بداية ولكننا نملك همة عالية تحول النكسة إلى انطلاقة ثابتة في الاتجاه الصحيح بعيدا من الاتكالية والعيش على موائد الأمم الأخرى .