السؤال باب من أبواب المعرفة، لهذا أكده القران، و حث على منهجيته، وإشكالاته. ووجود الإنسان محصور بين السؤال والتساؤل، فوجوده وشهوده الحضاري مرتبط بسؤال الماهية، والوظيفة، والغاية، ورحيله من دنيا الفناء إلى دار البقاء، ونجاحه مرتبط بالتوفيق في إجابته عن الأسئلة الثلاثة: من ربك؟ ومن نبيك؟، وما دينك؟ والأمم الحيّة تربّي الإنسان على ثقافة السؤال، وتحفزه لإدراك المعرفة، وترفض أن تجعل منها سلطة إلا حين تكون حقًا . فالسؤال مهم للسائل والمسئول حين يكون سؤالا معرفيا ؛ لأنه يتيح للسائل التأكد من دقة الفهم، و للمسئول التفكير في وجهات النظر الأخرى التي تعدل الأفكار وتنميها، وتمنحها السيرورة بين الناس. والله سبحانه حين يقول: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون يدعونا لإعمال العقل، و البحث عما لا نعلم، وإضافة معرفة أهل العلم إلى معارفنا. وحين يقول: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم يعلمنا منهجية السؤال ويحذرنا من عواقبه حين لا يكون سؤالا معرفيا يفضي إلى قيمة. وتربيتنا القمعية وأنظمتنا المعرفية التقليدية بينها وبين ثقافة السؤال عداء مستحكم. فالأسرة تقمع الطفل المتسائل، والمدرسة ترسخ هذا القمع، وتأتي الأنظمة السياسية لتسنده برأس البندقية . وينشأ الإنسان كائنا استهلاكيا لكل شيء، حتى لأسئلة الآخر وقضاياه. عندما سئل حبر الأمة عبد الله بن عباس بم أدركت ما أدركت من العلم؟ فقال: بلسان سئول، وقلب عقول. فالسؤال المعرفي عنده سلوك، والإدراك غاية. وإدراكا من أبي هلال العسكري لأهمية السؤال المعرفي، وخطورته، وقيمة مالآته قال: ولو أني جعلت أمير جيش لما قاتلت إلا بالسؤال فإن الناس ينهزlون عنه وقد ثبتوا لأطراف العوالي واليوم ثقافتنا العربية المعاصرة ضحية أسئلة الآخرين، فهي ثقافة استهلا كية،إلا مار حم بك، وقليل ما هم. منذ مائة عام ونحن ندور في فلك أسئلة الآخرين، ونستدرج لمعاركهم، والسؤال ليس سؤالنا، والإشكال ليس إشكال حضارتنا، والمعركة ليست معركتنا. وهذا أفقدنا القدرة على التوازن، وصناعة الأسئلة التي تخصنا، وتثيرها قضايانا. فنحن ضحايا أسئلة الدين والدنيا، والشريعة والحضارة، و الحداثة وما بعد الحداثة، لأنه لا إشكال لدينا في علاقة الدين بالدنيا، فالدنيا مزرعة الآخرة، والدين عقيدة ونظام حياة، والشريعة بوصلة حضارة، والحضارة ثقافة نامية ومنتمية، ومدنية تعبدية، وعمل مبارك يحقق العبودية و عمارة الأرض وأمانة الاستخلاف. أتأمل في كثير من العلوم والمعارف فلا أجد إلا أسئلة الآخرين ومشكلاتهم الحضارية والمعرفية . ولهاثنا الدائم خلف أسئلتهم التي لا تنتهي، وأصبحنا جيل قصعة الثقافة، وصرنا صورة طبق الأصل لنعامة إبراهيم بن هرمة التي قال فيها: كتاركة بيضها بالعراء وملبسة بيض أخرى جناحا إن الثقافة العظيمة سؤال حاضر لا يغيب، وأعظم سؤال أن تسأل نفسك لماذا يأبى شبل الأسد أن يكون ابن النعجة؟ [email protected]