إيمانا من كلية التربية بجامعة أم القرى بأهمية دور المعلم في العملية التعليمية والتربوية ، وانعكاسات هذا الدور على الفرد والمجتمع في شتى مجالات الحياة ، فقد دأبت الكلية على عقد الملتقيات التربوية والندوات العلمية والمؤتمرات المتتالية لرفع كفايات المعلم وإبراز أدواره في ضوء مستجدات الواقع ومتطلبات المجتمع . وها هي الكلية في اهتمامها بهذه القضية الجوهرية تقيم المؤتمر العلمي الرابع تحت عنوان : \" أدوار المعلم في التعليم العام والعالي ومسئولياته تجاه ظاهرة العنف والتطرف في ضوء متغيرات العصر ومطالب المواطنة \" برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله . وقد جعلتْ الكلية في صياغتها لعنوان المؤتمر قضية العنف والتطرف مرتكزا رئيسا تنبثق منه كافة محاور المؤتمر لتسهم - عبر أدوار المعلم ومسؤولياته سواء كان ذلك في مؤسسات التعليم العالي أو العام – في معالجة هذا السلوك الذي اتخذ من طرفي النقيض منزلا ومقاما ، فإن التطرف يعني مجانبة التوسط والاعتدال في الأمور كلها ، وذلك أمر مستقبح في الفطر السوية والعقول الراجحة فضلا عن استهجان الإسلام له ومحاربته لكل صوره وأشكاله وميادينه ، وقد جاءت تربيتنا الإسلامية بالتأكيد على الوسطية والاعتدال في جوانب حياتنا المختلفة ، الاعتقادية والعبادية والقيمية والسلوكية ، لأن هذه القيمة الكبرى تحفظ بها الضرورات الخمس التي جاءت بها جميع الشرائع السماوية من قبل ، المتمثلة في حفظ الدين والنفس والمال والعرض والعقل ، وما ينتج عن ذلك كله من الاستقرار المادي والمعنوي للفرد والمجتمع ، وهو مقتضى مطالب المواطنة الصالحة التي تؤكد عليها مطالب الفطرة السوية . وحين تغيب هذه القيمة الكبرى في حياة الإنسان يجنح برؤيته العقلية القاصرة إلى طرفي النقيض : إما الغلو والتنطع وتكليف النفس من الأمور ما لم يأذن به الله ، وإما الانسلاخ والتفلت وتجاوز الحدود التي تسمح بها المرجعية التربوية المستمدة من المصادر الأصيلة في الكتاب والسنة ، ولا شك أن كِلَيْ طرفي قصد الأمور ذميمُ . وعليه فإن على المؤسسات العلمية والتربوية – وعلى الأخص محور هذه المؤسسات ألا وهو المعلم – دور كبير في حماية أجيال المجتمع من هذه الظاهرة السالبة . ولأن الناس يتنازعون حد التناقض حول التحديد الدقيق لمصطلح \" التطرف \" فإن من المؤمل أن يسهم الباحثون المشاركون في المؤتمر بتجلية هذا المصطلح وفق معاييرنا التربوية التي نستمدها من مصادرنا الأصيلة كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو مقتضى العمل العلمي والبحثي الناضج ، كيما تكون الطروحات ذات بعد تأصيلي يكون بوابة كبرى لمعالجات تربوية واجتماعية مطمئنة . وبما أن المعلم – سواء كان في التعليم العالي أو العام – متغير مستقل فإن حماية الأجيال من ظواهر العنف والتطرف متغير تابع ، ولن يتحقق المتغير التابع – حماية المجتمع من ظاهرة العنف والتطرف - ما لم يتحقق نجاح المتغير المستقل - المعلم – وفي ظني أن المعلم كمتغير مستقل سينجح بكل اقتدار حين تتوافر في صناعته ثلاث مراحل رئيسة يمكن إجمال الحديث عنها في النقاط التالية : أولا : حسن اختياره لهذه الرسالة السامية – رسالة التعليم - وفق معايير علمية وعقلية وأخلاقية وجسمية ونفسية . ثانيا : أن تُقدم له - في مؤسسات إعداده – برامج علمية وتربوية متقنة يقوم عليها أكْفاء من أهل العلم والخبرة والتميز في التخصص في ضوء تكامل معرفي تتكامل رؤاه بين المختصين ، وتنطلق هذه الرؤى من أصالة ومعاصرة ، وفق تخطيط علمي وإداري مدروس . ثالثا : أن يتتابع تطويره بالأبحاث العلمية والدورات التدريبية والبرامج الهادفة وهو على رأس العمل ، فإن الساحة العالمية تقذف بالأبحاث العلمية بصورة لم يسبق لها مثيل ، وهاهي الإحصاءات تشير إلى أن الساحة العالمية تستقبل في الدقيقة الواحدة ثلاثة آلاف بحث في مختلف جوانب المعرفة ، وإذا لم تكن المؤسسات التي يعمل فيها المعلم قادرة على متابعة هذا الكم المعرفي الهائل – على أقل تقدير - في المجال التعليمي والتربوي فسيظل المعلم يرزح تحت وطأة الأمية . إننا حين ننجح في إعداد المعلم على هذه الشاكلة لن نكتفي - في المستقبل - بمطالبته أن يقوم بأدواره ومسؤولياته تجاه أية ظاهرة يمر بها المجتمع ، فيكون دوره دور المتفرج حتى تصرخ به المؤتمرات أين دورك العلاجي !! لا .. إنه سيحمل راية المبادرة رافعا شعار الأطباء : ( الوقاية خير من العلاج ) وشعار الأصوليين : ( الدفع أسهل من الرفع ) وتلك قيمة المعلم الناجح وقيمة مؤسساته الواعية . وإن من المؤمل أن يقدم مؤتمر المعلم الرابع في رحاب جامعة أم القرى في هذا العام 1432ه نقلة نوعية في أبحاثه وأوراق عمله وأن يثريه الباحثون بعصارة فكر أصيل يجمع بين النظرية والتطبيق . وإني بهذه المناسبة أقدم خالص الشكر والتقدير لمعالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور : بكري بن معتوق عساس على متابعته المستمرة لأعمال المؤتمر ، ولسعادة عميد كلية التربية الأستاذ الدكتور : زايد بن عجير الحارثي ، فقد خطت الكلية في عهده نقلية نوعية في أداء برامجها من الناحية الكمية والكيفية كيما تحقق في جميع برامجها معالم الجودة والاعتماد الأكاديمي ، ولا أنسى شكر كافة اللجان العاملة في المؤتمر ، وكل مؤتمر والجميع - من الله - في خير وستر وعافية . د . خليل بن عبدالله الحدري رئيس قسم التربية الإسلامية والمقارنة كلية التربية – جامعة أم القرى