أحبّتي .. في هذا المقال أحببتُ الخُروج عَن السياسة ومخاضاتِها ومشاكِلَ المجتمع واكفهرارَ الوجوه إزاءَ نتائِج مبارياة كأس العالِم \" الشغل الشاغِل لأكثرِ من نصفِ العالِم والتي استحوذت على الساحةِ الإعلامية بحيث تلاشتْ مساحة الأخبار الأخرى \" قياساً لمساحةِ تغطيات الحَدث الرياضي هذا / برازيل لا تبكي فليسَ هناكَ من توّجع وانتحرَ بسبب خسارتِك ما يُضاهي وجعٌ آخر أشّدَ ضراوة .. / ألمانيا ستجعلين هتلر يرقص في قبره .. / المُهم هربت مِن كل هذا لأعتكِفَ في زاويةٍ مخضوضبة بالحناء وعِطر البخور مِن زوايا أدبنا العربي .. ألا وهي ( أدبُ الرسائِل ) لقدْ اعتُبرَ أدبَ الرسائِل أكثرَ أبوابَ الأدب العربي والعالمي بلاغةً .. حيثُ أنّ الرسالةَ مُعبّرٌ عن الصّدقِ الذي تقتضيهِ اللحظةَ والحالة اللتين كُتبتْ فيهما .. ويُعدّ هذا الأدب الرفيع مُتميزاً مِن حيث الهدف والجوهر وباقي خصائِصه .. ومِن إبداعهِ البياني بحيث أصبحَ أحدَ منابِع الإرتواء الأدبي ؛ذلِكَ أنه عُنصرٌ مُتجذر في كل الثقافات العالمية ؛ وإن طرحنا فِكرة الرسائِل كمقارنة مع رسائِل الخلوي .. فإنا سنظلم وبشكلٍ مَحدود ما ذهبتُ إليه مِن أدب الرسائِل .. لأن تلكَ الرسائِل الرقمية أدّت إلى تراجع هذا الأدب والإذهاب بجمالياته .. هناكَ أغراضاً غايةً في الأهمية لهذا النوع من الأدبِ كالشكل والجوهر والمضمون وصِفة المُرسِل والمُرسل إليه ؛ وأحياناً تبقى تلكَ الرسائِل مفتقدة لعنصرٍ واحِد مِن أغراضِها ألا وهو ( المُرسل إليه ) فتتحول إلى مذكرات شخصية لسيرةٍ ذاتية أو مناجاةٍ مع النفس لها قيمتها التاريخية في حياة الفرد .. إذن المُذكرات عبارة عن رسائِل حبيسة ولصاحبها مُبرراته ويكون فيها المُرسل إليه مُتنوع / فرد ؛ صديقين في آن واحِد ؛ مجموعة أصحاب ؛ أو وهماً يعيشه المرء ويتغنى بهِ فيُنسجهُ حروفاً جميلة .. تكونُ تفاصيلُ الرسائِلَ الأدبية مختلفة ً كرسائلِ الحب أو الصداقة أو العتب بما تحتويهِ مِن رسنٍ في صياغةٍ لمتاهاتِ الرّوحِ والتحليقَ مع كل حرفٍ يُكتب وخصوصاً إن كان تبادلها بين الأدباء والمُفكرين لأنها تحملُ عُمقاً دلالياً مِن حيث الفِكرةِ واختيار المفردات وفلسفتِها ؛لا أقصد إن رسائِل هذه الفئة هي الأكثر امتيازاً بل هي على سبيل المثال لا الحصر؛ فإن هناكَ مِن الناس على بساطتِهم عبّروا عن مشاعرٍ جيّاشة في تناولهم وتبادلهم تلكَ الرسائِل .. ومهمة الرسائِل وماهيتها كما هي باقي أبواب الأدب خلق مساحة من معانٍ مجازيةٍ في حقيقتِها وطرح ما تكنّه الصّدور مِن أسرار .. لتبقى كذكرى ثابتة مهما مرّت الأيام .. هنا نقف عِند نقطة مُهمة ألا وهي أهميةُ الرسائِل \" اللارقمية \" فتلك التي نتداولها عن طريق الجوال أو البريد الإلكتروني تختلفُ بإحساسِها عمّا لو كُتبت أو تم التبادل بها بوساطة الورق ؛ فالأخيرة تحمل حرارة اليد ورعشة إبرة القلم ونبض القلب الذي يُعتصر حين كتابتها وقد تسقط دمعة مُهربّة مِن بين الجفنين على أحد الكلمات لتنشر حروفِها ( كنواشِر مِعصَمِ ) إضافة إلى رائِحة راحة اليد والأصابع حين الكتابة .. إنها روحٌ قائِمة بحدِّ ذاتِها تُنعشُ الأنفاس وإن كانت مؤلِمة وما أجملها إن احتوت على أخطاءٍ شوَشّها المُرسِل بشخبطة وكتابةِ الصوابَ مِنها ؛فهي تهدفُ إلى إيتاء لذة مجهولة للنفس واللتي هي مجهولةً بحد ذاتِها .. وقد حفل تاريخنا الأدبي بالكثير مِن تلكَ المجموعات .. مثل ( رسالة الغفران لأبي العلاء المعرّي ؛ رسائل إخوان الصّفا وخلّان الوفا ؛ رسائِل أيها الولد المُحب للغزّالي ؛ رسائل الجاحظ .. وفي أدبنا المُعاصِر رسائِل بين فطاحلته كالعقاد وشوقي والمنفلوطي وطه حسين والمازني وأوراق الورد لمصطفى صادق الرافعي ؛ وكُتبتْ بعض القصص العالمية المشهورة على شكل رسائِل مثل ( آلام فارتر ) و( ماجدولين \" تحت ظلل الزيزفون \" ) والآن انتشرت الرسائِل بشكل أوسع عن طريق الإنترنت أو الجوال أو الشريط الأسفل في الفضائياتكطريقة لإيصال المشاعر كما كان يحدث سابقاً بوساطة المُرسِل والرسول والمُرسل إليه ؛ وهي تعبّر عن كل ما يُخالِج الإنسان من مشاعرتُكمنُ في ذاته وتُحرك أحاسيسه أو احتياجاته ؛ وهي لا تقتصر كما ذكرت أعلاه بين حبيبين وإنما تنضوي بين طيّاتها جميع العلاقات البشرية التي تترجم أشواق الروح ولهفة النفس .. !! ولكنّ تَبقى الرسائِل الورقية مِن حيثِ ميزتِها الحيّة أرقى بكثير مِن الرسائِل الإلكترونية .. وإن كانت تقلصّت الآن بشكلٍ كبير وأكثرَ أسباب هذا التقلّص هو عدم سرعتها في الوصول .. ونحن في زمن التكنولوجيا والعصر النووي .. دُمتم بود