الأمير سلمان بن عبدالعزيز رجل دولة بمعنى الكلمة , وكلماته دائماً محسوبة وموجهة , وهو رجل مثقف وقارئ نهم , وله متابعات لكل ما يدور حوله , وترى علامات الدهشة على وجهه عندما يذكر أمامه اسم كتاب جديد ومهم وهو لا يعرفه , خصوصاً عندما يكون له صلة بالمملكة منهجاً أو كياناً أو مجتمعاً , وهو صديق للإعلام والإعلاميين , وتراهم يحسبون حساباً شديداً لمتابعاته وتعليقاته , وبعضها ينشر في الصحف , وأكثرها يتم عبر الاتصال الهاتفي بكتّاب الصحف , تارة بالتأييد والثناء والتشجيع , وتارة بالعتاب اللطيف والتوضيح والتصحيح , وقد سمعت شيئاً من ذلك من عدد من الزملاء ومنهم : الدكتور عبدالعزيز الثنيان والدكتور سعد البريك والدكتور حمد الماجد وغيرهم , وهذا الأمر ليس بسر ; لأن بعضهم قد صرّح بذلك في مقاله اللاحق . ومن آخر إبداعات الأمير الكريم وتجلياته المعتادة تعليقه الأخير في جريدة الحياة حول ما أثير عن ( الوهابيّة ) ؛ لأن ( الوهابيّة ) عند سموه خط أحمر , خصوصاً إذا تم تناولها بصورة بعيدة عن الصواب , ومع أن الاسم نفسه ( الوهابيّة ) مزعج نظراً لإيحاءاته السيئة والأهداف غير البريئة التي كانت خلف إطلاقه على الدعوة السلفية الإحيائية المباركة التي قام بها الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – وتلاميذه من بعده , وحظيت بدعم وانتشار وقبول – بفضل الله ثم بفضل تبني الإمام محمد بن سعود لها , وتأسيس دولته عليها - , ولعل أكثر ما خدم هذه الدولة السعودية المباركة الأولى ثم الثانية والثالثة , وحشد الأنصار لها , وفتح لها القلوب قبل المدن هو قيامها على هذا الأساس المتين وهو التوحيد وخدمة منهج السلف , وسمو الأمير – وهو أحد رموز وأعمدة الدولة السعودية الثالثة – يستشعر هذا الأمر ويعيش في قلبه ووجدانه وقد عايش ورأى عياناً بياناً سر هذا التمكين والالتفاف حول هذه الأسرة المباركة , ولمس واقعاًَ لا تنظيراً ما يجمع أهل هذه البلاد ومناطقها المتباعدة وقبائلها التي كانت متناحرة , فصارت متآلفة متصاهرة متلاحمة , وهو حبل الله المتين والركن الركين الذي امتنّ الله به على رسوله وعلى المؤمنين – وهي رسالة لأمته من بعده – حينما قال تعالى : ( وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم إنه عزيز حكيم ) , وقوله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناًَ ... ) , وأي شي يصدق علينا ويصور حالنا في هذه البلاد المباركة قبل هذه الدولة التي قامت على هذه الدعوة أكثر من هاتين الآيتين , وهما قول من حكيم حميد عظيم , قال عن نفسه سبحانه : ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزُ من تشاء وتذلُ من تشاء بيدك الخير إنك على كل شي قدير ) و والله إن الجلود لتقشعر عند سماع هذه الآية , والتأمل في قيام الممالك وزوالها , وأي عاقل ينشد الملْكَ , أو استدامة الملْك من غير الله , أو من الله وهو يتنكب سبيله ويبتعد عن الأساس المتين الذي قامت عليه دولة الإسلام الأولى , وترسّمته دولتنا المباركة عندما فرحت بهذه الدعوة واحتضنتها وناصرت إمامها , ولله دَرّ الإمام محمد بن سعود على فكره الثاقب حينما رأى ببصيرته النافذة بعد توفيق الله له - لصدقه وإخلاصه - أهمية هذه الدعوة , فاحتضن هذا المصلح – بعد أن تخلّى غيره عنه – وسار بدولته على منهجه الصافي منهج الكتاب والسنّة حسب فهم السلف الصالح , ثم ورّثه لأولاده وأحفاده من بعده إلى يومنا هذا وإلى ما بعده بحول الله . وأعود لأقول : إن اسم ( الوهابيّة ) مع إزعاجه , بسبب إيحاءاته وظلاله السيئة التي قصدها من أطلقه , فإن الأسوأ منه هو الإساءة إلى حقيقة هذه الدعوة ومضامينها , وتعمّد تشويهها بما ليس فيها ولا منها , من أناس بعضهم يسمع عنها من خصومها ولم يقرأ من كتبها ولا حرفاً , وبعضهم يعرفها ولكنه يراها حجر عثرة في طريق شبهاته أو شهواته , وبعضهم ضدها وضد الإسلام عموماً لكنها أشد عليه ; لأنها تمثّل الإسلام الصافي الذي يربط المسلم بخالقه مباشرة , وهذا الصنف ينسجم مع أعداء الإسلام الواضحين الذين درسوا الإسلام وخبروه بفرقه ومذاهبه , فشجعوا الفرق والمذاهب المنحرفة ودعموها ودأب سفراؤهم على حضور مناسباتها ودعمها مادياً ومعنوياً , وشرقوا وضاقوا بالسلفية الصافية النقية التي تعد الوهابيّة جزءاً منها - ولا أقول ممثلاً وحيداً لها - ; لأنها عصيّة عليهم وغير قابلة للتطويع ولا للتطبيع . ولعل تعليق الأمير سلمان في جريدة الحياة وإيضاحه لحقيقة الوهابيّة ودفاعه عنها , كشف شيئاً مما ذكرت , فأقضّ مضاجع بعض تلك الأصناف التي أشرت إليها , الذين يشرقون بالوهابيّة ويرونها عدوّهم اللدود الذي يقف أمام مصالحهم ومخططاتهم الخبيثة ضد المنطقة , بل وضد الإسلام الصحيح عموماً , فحركوا أحد أبواقهم الذي كثيراً ما وجهوه ضد أبي بكر وعمر وعثمان وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة – رضي الله عنهم - , حركوه ضد الأمير سلمان وضد الوهابيّة فهرف بما لا يعرف وشرّق وغرّب , ومن تشريف الله للأمير سلمان وللوهابيّة أن ضمهما هذا الدعي في هجومه مع أبي بكر وعمر وخيار الصحابة , الذين أكثر التطاول عليهم في برنامجه في قناة ( دريم ) وفي صحيفة ( الدستور), ومن نعم الله أن شعب مصر المسلم يعرف ماضي هذا الرجل وحاضره , ومن يقرأ صحيفة ( المصريون ) وغيرها من المواقع يرى الردود عليه من علماء مصر وكتابها مثل الشيخ أشرف عبدالمقصود والأستاذ جمال سلطان وغيرهم . كما أن الله قيّض قناة حوارية جادة بعيدة , نابت عن الإعلام السعودي في نصرة الأمير سلمان والدفاع عن الوهابية والدعوة السلفية , وهي قناة المستقلة التي أدار صاحبها الدكتور محمد الهاشمي حواراً مطولاً مباشراً مثمراً في خمس حلقات , ووفّق فيه إلى ضيفين مميزين وهما : الدكتور ماجد مرسال – مستشار وزير الشؤون الإسلامية في المملكة - , والدكتور عبدالله سمك – رئيس قسم الفرق والمذاهب في الأزهر سابقاً - , وغيرهما من الضيوف والمداخلين , وقد وضعوا النقاط على الحروف وشفوا وكفوا . لكني أقول لنفسي ولسمو الأمير سلمان الذي يُبلي بلاء حسناً في هذا الباب في كل حين ومناسبة بما حباه الله من رؤية واضحة وغيرة صادقة واستشراف للمستقبل وتدبّر للعواقب , ولكل محب لهذه الدعوة وهذه الدولة في الداخل والخارج , إن أخطر ما يواجهنا ليس أعداء الدعوة والدولة من الخارج , فهؤلاء لهم قرابة ثلاثة قرون وهم يكيدون باللسان والقلم والمال , بل والرجال والسلاح في وقت من الأوقات لكنهم لم يؤثروا فينا ولا في بلادنا ولا في شبابنا , وإنما الخطر الأكبر هو الذي يهددنا من داخلنا في إعلامنا وبأقلام وصحف وفضائيات بعض أبنائنا الذين يحملون هويتنا الوطنية وجوازنا الأخضر , وخطورة التهديد الداخلي ليس شيئاً ننفرد به , وإنما هو سنّة إلهية , فقد قال الله سبحانه للصفوة من هذه الأمة , وفيهم الرسول – صلى الله عليه وسلم - : ( أولمّا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم ... ) – مع بعض الفوارق في التشبيه - وقد ألّف الأديب والمفكر الإسلامي الكبير الغيور د. محمد محمد حسين كتاباً قيّماً نفيساً سماه : (حصوننا مهددة من داخلها ) فلا شيء – يا سمو الأمير – أخطر من التهديد الداخلي , ولا شيء أقوى وأحفظ للبلاد من تلاحم الجبهة الداخلية , وها أنت ترانا – يا سمو الأمير – نصبح ونمسي على قصف إعلامي مركّز من بعض صحفنا في الأسس والجذور التي قامت عليها هذه الدولة المباركة , وأنت – رعاك الله – بما مَنّ الله عليك به من مكانة ومتابعة وأجهزة وفكر ثاقب ونظر بعيد أكثر إدراكاً مني لما يحصل وأكثر سبراً لأغواره ومآلاته ونتائجه لا قدّر الله , فالله الله – يا سمو الأمير مع إخوانك الأفذاذ من أبناء عبدالعزيز - أن تخرق السفينة وأنتم تنظرون .