تنومة: سعيد مسفر علي محمد هشبول صحيفة أزد التقت مشرف الإرشاد بتعليم المنطقة الشرقية حامل الماجستير الأستاذ علي محمد هشبول الشهري الذي تحدث حول دمج البنين والبنات بالصفوف الثلاثة المبكرة من الابتدائية لتتولى تعليمهم المعلمات في مدارس البنات , وبداية أقول : إن للأطفال حقوقًا وحاجات يجب أن تؤدى وتشبع عبر طريق التنشئة الطويل . ومن البدهي عند التربويين أن عدم فعل ذلك مدعاة إلى الاضطرابات النفسية والجسدية وتعثر مسير النمو والتعلم . ولا شك أن ديننا الحنيف قد رعى ذلك حق رعايته , ولا مجال لذكر ذلك هنا , بيد أن موضوع دمج الأطفال الصغار ( ذكورًا و إناثًا ) أمر يستحق أن نصدع به دونما توجس أو استحياء , ولا أرى مبررًا منطقيًا علميًا يحول دون ذلك ،كما أن الشرع المطهر حدد سن التمييز بإتمام العاشرة وليس عند السابعة كما يظن البعض , فأمر بالضرب على الصلاة , والتفريق بين الأطفال ( ذكورًا وإناثًا ) في المضاجع فقط عند العاشرة , ولم يقل دون ذلك السن . وبما أن درْءَ المفاسد مقدم على جلب المصالح فإن علينا أن ننظر ونتبين, هل هناك مفاسد حقيقية ستنتج عن عملية الدمج التربوي أم أنها مجرد تخرصات لدى البعض؟. قولوا لي بربكم أين الفساد المتوقع من طفل صغير غير مميز؟، وأين الفساد من طفلة غرٍ صغيرة كزميلها دون التاسعة لا تدرك من الأمر شيئا ؟! إن أطفال مرحلة الطفولة الوسطى ( 6 - 9 سنوات بنين وبنات ) لا يختلفون عن بعضهم بعضاً في الخصائص النفسية والجسدية اختلافات جوهرية تدعو إلى الميل الجنسي بين الذكر والأنثى ، وذلك بحكم ما أودعه الخالق سبحانه وتعالى في أجسادهم من الكوابح الفطرية الهرمونية الداخلية المتمثلة في وظيفة الغدة التيموسية، والتي تفرز هرمونًا يكف النشاط الجنسي طيلة الطفولة حتى سن البلوغ حين تضمر تلك الغدة وتنتهي مهمتها لتبدأ الغدد الجنسية القيام بدور معاكس معلنةً عن مرحلة عمرية جديدة في حياة الفرد . ومن الناحية النفسية فلا يوجد فروق بين البنين والبنات في الخصائص الانفعالية والمعرفية ذات قيمة يمكن أن تكون حائلاً دون الدمج . أما في البعد النفسي التربوي فإن وجود الطفل في ( البيئة التربوية الآمنة الأقرب إلى الأمومة ) مدعاة إلى اكتساب المهارات بشكل أفضل وإلى إحراز نتائج شخصية إيجابية بناءة مستقبلاً . وذلك من المسلمات التربوية حيث أن حاجة الطفل إلى الأمن النفسي من أقوى الحاجات ، وهي التي يمكن أن تشبعها المعلمة لدى الطفل بدرجة أكبر من المعلم . وفي هذا السياق فإن وجود المعلمة يوفر قبولًا للمدْرسة لدى الأطفال وخاصة المستجدين منهم في بداية التعليم الابتدائي، كما أن ذلك يُمَكِّن أمَّ الطفل من المشاركة في التمهيد والتهيئة لقبول المدرسة وحضور برامجها الإنمائية فيما بعد . إن المدارس الابتدائية للبنين تعاني في بداية كل عام دراسي من عدم تكيف مستجدي الصف الأول مع المدرسة ، وعدم توافقهم مع منسوبيها بسهولة ، بالرغم من وجود برنامج تربوي مدروس لهذا المنحى ، ولو قامت المعلمات بهذا الدور داخل مدارس البنات مدعوماتٍ بأمهات الأطفال لكان الموقف أهونَ بكثير . إن عملية الدمج عملية عالمية، كما أنها مجربة محلياً ، وبالتالي والحالة هذه فإنها عملية تربوية مأمونة (كما أراها وأنا ابن الميدان التربوي منذ ما يقارب ربع القرن ) . بيد أنها تحتاج إلى أن تكون اختياريةً ابتداءً حتى يتم قبولها تدريجيًا لدى العامة ، مع ضرورة التخطيط لما تتطلبه هذه العملية من زيادة فتح الفصول وأعداد المعلمات والمرشدات واختيارهن من التربويات الأمهات الكبيرات ، وكذا تفعيل برنامج تهيئة المستجدين بشكل تربوي وتوظيف أدوار الأمهات ، مع تجنب تنفيذ ألعاب تنافسية بين الأولاد والبنات تؤكد عزلة الأولاد . وفي الجانب الآخر ستكون المدارس الابتدائية للبنين في حاجة إلى إعداد برنامج خاص لتهيئة طلاب الصف الرابع نفسياً عند انتقالهم إليها قادمين من مدارس البنات ، وهذا يتطلب أيضا تغيير ما يلزم من المسميات والتنظيمات. ختامًا دعونا نتجنب خدش البراءة ،ولمز الطفولة ، وبطر الحق ، بل لنسعى إلى البناء التربوي المرفوع على أساس علمي متين من فهم خصائص وحاجات أطفالنا ،وألاّ ننزوي في دهاليز ظلام الظن وهو لا يغني من الحق شيئاً ، وعلينا أن نصعد بتفكيرنا إلى رؤوسنا لتحكيم عقولنا في شأن لن يقصر عنه الدين والعلم .