لا تزال أجواء التوتر سائدة بين الصوفية والسلفية في مصر، لتتحول من صراع في الخفاء في السابق، الى معارك محتدمة تطفو على سطح الاحداث وتتداولها الصحف ووسائل الاعلام في مصر وخارجها. وبعد ان تناولت صحف مصرية بينها صحيفة الوفد، التصعيد الجديد بين الجانبين، بسبب توزيع سلفيين منشورات بطنطا تحرم زيارة أضرحة آل البيت وأولياء الله الصالحين وتصف الاحتفال بالموالد بالبدع مما أثار حفيظة الصوفيين، فان مواقف متعددة تتجلى اليوم في ثقافة تكفير الاخر، ومحاولة الغاء طرف، لخصمه والتشهير به وإعدامه حاضرا وشطبه من التاريخ ماضيا. والمعركة الجديدة القديمة على هذا الصعيد، والتي تداولتها صحف مصرية اضافة الى صحيفة القدس العربي الصادرة في لندن، هي الخلاف على "وجود رأس الحسين بمسجده في القاهرة". فقد قال السلفي عاصم عبدالماجد أن " رأس سيدنا الحسين بن علي ليس موجودا في القبر الموجود داخل مسجده بالقاهرة، وأن ما هو موجود جسد مسيحي" ، ليثير كلامه حنق الصوفيين وآخرين، ومنهم الشيخ عبدالهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية. ونشرت صحيفة الجمهورية المصرية قول القصبي ان اثارة موضوع راس الحسين في هذا الوقت يمثل " حلقة في مسلسل الفتن بمصر". وتابع " الحجج الدامغة وما أثبته المؤرخون تؤكد ان رأس الحسين مدفون في مصر". ويشير القصبي الى رأى الشيخ محمد زكي إبراهيم في كتابه ( مراقد أهل البيت )، وما اكده المؤرخون وأهل السير على أن رأس الحسين بمصر. ويوجه القصبي كلامه الى عبدالماجد" كل شخص يحمل شهادة أن لا إله إلا الله يجب أن يتحرى الدقة في الحديث عن آل البيت والصحابة، ونرفض أن يتعدى أي شخص على الصحابة أو التابعين، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم )، فالذين قالوا بأن رأس الحسين غير موجود بمصر لا يعني أنه بمثابة الإساءة للحسين فالقول بوجود الحسين أو عدم وجوده في مكان يترتب عليه الإساءة للحسين وإنما يترتب عليه الفتنة بين المسلمين، وعندما نقول بأن قبر الحسين لشخص مسيحي يترتب عليه فتنة بين المصريين، فقد أراد الله أن يقطع حجة القائلين بعدم وجود الرأس بالقاهرة وأن يسمهم على الخرطوم".وكان باحثون بالمتحف البريطاني بلندن عثروا منذ سنوات ، بحسب القصبي ،على نسخة خطية محفوظة من تاريخ (أمد) لابن الأورق مكتوبة عام 560 هجرية أي قبل وفاة المؤرخ بحوالى 12 عاما ومسجلة بالمتحف، وقد أثبت صاحب هذا التأريخ الطريقة اليقينية أن رأس الحسين نقل من عسقلان الى مصر عام 549 هجرية أي في عهد المؤرخ وتحت سمعه وبصره وبوجوده ومشاركته ضمن جمهور مصر لاستقبال رأس الحسين.. ريح المسك تفوح من القبر ويردف القصبي " لا نظن أن مخلوقا يتمتع بذرة من الانصاف يشكك في وجود الرأس الشريف بمصر بعد ذلك، أو يشكك في أن ظهور تلك النسخة الخطية في هذا الوقت كما جاء في كتاب ( العدل الشاهد في تحقيق المشاهد ) أن المرحوم عبدالرحمن كتخدا القره غلي لما أراد توسعة المسجد المجاور لقبر الحسين عام 1175 هجرية قيل له: إن هذا المشهد لم يثبت فيه دفن الحسين فأراد تحقيق ذلك فكشف المشهد الشريف بمحضر من الناس ونزل فيه الجوهري الشافعي والشيخ الملوي المالكي وكان من كبار العلماء في ذلك العصر وشاهدوا ما بداخل البرزخ ثم ظهرا بما شاهدوه وهو كرسي من الخشب الساج عليه طشت من ذهب فوقه ستارة من الحرير الأخضر تحتها كيس من الحرير الأخضر الرقيق داخلها الرأس الشريف، والمفاجأة أن المحبين وجدوا ريح المسك تفوح من القبر الشريف ثلاثة أيام والمغرضين وجدوا دما طاردهم أياماً ". ويدعو القصبي في ختام حديثه التيار الإسلامي " أن يشغل نفسه بتوفير الطعام والشراب للحواري والأزقة بدلا من خوض خلافات لا طائل من ورائها سوى الفتنة الاجتماعية وأولى أن ننشغل بهذه القضية فآل البيت ليسوا موجودين بمصر فقط ولا في غيرها وإنما موجودون في قلوب المسلمين جميعاً". ويحكم فكرته بالقول " والله لو علقوا لنا المشانق على كل باب وقتلوا الأجنة في بطون الامهات سيظل حب آل البيت في النفوس إلى أبد الآبدين بما لهم من عطاء غمر الأمة الإسلامية". وبحسب أَحْمَد ابْنُ تيمية فان " الْمَشْهُورَةَ عِنْدَ النَّاسِ بِمِصْرِ وَالشَّامِ أَنَّهَا مَشْهَدُ الْحُسَيْنِ وَأَنَّ فِيهَا رَأْسَهُ كَذِبٌ وَاخْتِلاقٌ وَإِفْكٌ وَبُهْتَانٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ويقول الكاتب السعودي مشعل السديري حول الخلاف على مدفن الحسين " من المعلوم أن جسده دفن في (كربلاء)، غير أن رأسه الشريف اختلفوا في مدفنه، فأين هو رأس الحسين ؟ ". ويضيف " أهل العراق يقولون إنه عاد إليهم من دمشق ودفن مع الجسد مرة أخرى، وما زالوا بعد يوم عاشوراء بأربعين يوما يرتبون مسيرة حاشدة يسمونها (مردّ الرؤوس)، في الوقت الذي يصر فيه أهل الشام على أن الرأس ما زال مدفونا عندهم وعليه ضريح يزار".ودخل على الخط فيما بعد الفاطميون عندما كانوا يحكمون بلاد المغرب ومصر، وقالوا: بل إن الرأس أتى إلى مصر ودفن فيها، وها هو ضريحه في مسجد الحسين تقام له الزيارات، ويتقاطر القوم عليه على (مدار الساعة) لأخذ الكرامات والتبريكات وطلب الشفاعات. الكاتب المصري فهمي هويدي يشير الى " حساسيات المسلمين والأقباط، والتراشق بين الإسلاميين والعلمانيين، ومرارات الشيعة والسنة وخلافات المتطرفين والمعتدلين، الأمر الذى يدعونا إلى التمسك بالتسكين والتهدئة. لا إلى تفجير الصراعات وتوسيع نطاقها". السلفيون يتهمون الشيعة بالمشاركة بالفيلم المسيء للرسول ونقلت صحيفة القدس العربي تقريرا نشرته جريدة الفتح المصرية الأسبوعية التي تصدر عن جمعية الدعوة السلفية جاء فيه ان الشيخ ناصر رضوان الباحث في الشأن الشيعي والفرق والمذاهب والأديان أكد أن "الفيلم المسيء استمد مادته من كتب دين الشيعة، وليس من كتب الإسلام، وكل مصادره من دين الشيعة الذي لا يمت بصلة الى دين الإسلام، فليس في دين الإسلام حمير تتكلم وتروي الأحاديث إلا في كتب دين الشيعة". ويستأنف الشيخ ناصر القول " كان السيناريو مأخوذاً من كتاب الكافي، للكليني، أحد أكبر علماء الشيعة عندهم، بل يصرح الفيلم باسم حمار الشيعة، عفير، صاحب المعجزات المزعومة في دينهم، وهذا أحد الدلائل البسيطة على أن دين الشيعة دين يخالف دين الإسلام، بل هو معول هدم يستخدمه أعداء الإسلام، للنيل من الإسلام". ويحذر الكاتب المصري فاروق جويدة من أن "إن الصراع الخفي بين التيارات الدينية في مصر يحمل مخاطر كثيرة"، مشيرا إلى أنه من أهم هذه المخاطر انه تحول" من صراع في الأفكار والرؤى إلى صراع سياسي". الجدير بالذكر ان مسجد الإمام الحسين بن علي في القاهرة بمصر يقع في القاهرة القديمة في الحي الذي سمى باسم الإمام (حي الحسين) وبجوار المسجد أيضا يوجد خان الخليلي الشهير والجامع الأزهر. و سمي المسجد بهذا الاسم نظرًا لاعتقاد البعض بوجود رأس الإمام الحسين مدفونًا به، إذ تحكي بعض الروايات أنه مع بداية الحروب الصليبية خاف حاكم مصر الخليفة الفاطمي على الرأس الشريف من الأذى الذي قد يلحق بها في مكانها الأول في مدينة عسقلان بفلسطين، فأرسل يطلب قدوم الرأس إلى مصر وحمل الرأس الشريف إلى مصر ودفن في مكانه الحالي وأقيم المسجد عليه.