الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،، قال سبحانه{فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} لن يصعب على أهل الأهواء تأوّل الآية والحديث لتشرّب الفتنة ونشرها!! صاحب الهوى قد يلوي نصوص متشابه القرآن ليشرعن لهواه!! فإذا كان ذلك حال صاحب الهوى مع كتاب الله! فكيف هو حاله لو بحث في كتب العلماء ووقع على شذوذاتهم!؟ بل كيف سيكون ضلاله لو قرأ في كتب أهل الأهواء أنفسهم؟! قال صلى الله عليه وسلم (الإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس) رواه مسلم. قال ابن القيم "لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه، وحاك في صدره من قبوله، وتردد فيها" وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعليقاً على الحديث السابق "وهذه الجملة إنما هي لمن كان قلبه صافياً سليماً ، فهذا هو الذي يحوك في نفسه ما كان إثماً، ويكره أن يطلع عليه الناس، أما المُتَمَرِّدون الخارجون عن طاعة الله الذين قست قلوبهم فهؤلاء لا يبالون، بل ربما يتبجحون بفعل المنكر والإثم، فالكلام هنا ليس عاماً لكل أحد، بل هو خاص لمن كان قلبه سليماً طاهراً نقياً" أخي المؤمن (استفتِ قلبك) لكن! احذر أن تستفتيه وقتَ: غلبةِ الهوى! وضعف الإيمان! وضغط الواقع! وتمكّن الشبهة! كثير من الانحرافات الفكرية والانتكاسات الفطرية، حصلت لأصحابها عندما تراخوا مع أنفسهم وأطلقوا لها العنان في أوقات ضعف النفس، وغلبة الهوى، وسيطرة وساوس الشيطان، حتى تشرّبوا الشبهات وغرقوا في الشهوات!! وقد نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خطورة فترات الضعف والفتور ووجهنا بقوله: (لكل عمل شِرَّه-إي إقبال- ولكل شِرّة فترة-أي ضعف- فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك) وفي هذا المعنى قال عمر رضي الله عنه: "إن لهذه القلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإذا أدبرت فألزموها الفرائض" وقال صلى الله عليه وسلم عندما بلغه أن امرأة تُذكر من كثرة صلاتها فقال: (مَهْ! عليكم بما تطيقون فوالله لا يملَّ الله حتى تملُّوا) أي أن الله لا يقطع عنكم الأجر حتى تقطعوا العمل بسبب الملل،، و قالت عائشة رضي الله عنها تصف رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه). من أسباب الانتكاسة؛ الغلو في الدين، كما قال صلى الله عليه وسلم (إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو) وقال (إن الدين يسرٌ ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُّلجة) رواه البخاري. ولكن التشدد المقصود ليس هو ما يفهمه البعض بأنه الالتزام بالواجبات والاجتناب للمحرمات!! التمسك بالمحكمات والحذر من الشبهات لا يُعد تشدداً،، قال تعالى {يا يحي خذ الكتاب بقوة}. غض النظر عن الحرام،، وحفظ السمع عن الحرام،، والعفاف،، والحجاب،، كل ذلك لا يعد تنطّعاً،، رسولنا صلى الله عليه وسلم هو إمام أمة الوسط،، ولا يمكن أن يُلمَز بالتنطُّع كل من اجتهد للإقتداء به في لبسه وصلاته وصيامه والامتثال لأمره والاجتناب لنواهيه والتطبيق لشريعته،، من أهم وسائل الثبات وتقوية الإيمان هو العلم،، قال سبحانه: {إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ} العلم يورِث الخشية،، أما من زاده علمه جرأة على الله فليراجع نفسه،، فإما أن يكون الخلل في قلبه!! (مثل الكبر، العجب بالنفس، الشهوات...) وإما أن يكون الخلل في طبيعة العلم الذي تلقاه!! (بعض علوم الفلسلفة، الحداثة، الشبهات...) لكن تمييز الحق لا يكون بالعقل والعلم فقط،، بل لا بد من طهارة القلب،، وقد ذكر الله لنا في كتابه قصة بلعام بن باعوراء الذي انسلخ من الدين وكفر بآيات الله برغم العلم الذي أوتيه!! وذلك بسبب فتنة النساء!! وما حادثة عبدالله القصيمي عنّا ببعيد والذي انتكس وألحد برغم العلم الذي نشره والكتب التي ألّفها!! أما عن سبب انتكاسته فقد قال الشيخ سلمان العودة في محاضرة (الثبات حتى الممات) معلقاً على سبب إلحاد القصيمي: "وأعتقد والله أعلم أن ردَّته لم تكن بسبب شبهة بقدر ما كانت بسبب شهوة خفية متأصلة في أعماق قلبه ، هذا هو ما توصلتُ إليه بعد طول تأمل في حاله ؛ وهذا درس يجب أن نعيه ؛ فلم تكن القضية قضية شبهة أو شك أو إلحاد حقيقي ، إنما كان هذا الإلحاد ستاراً يتستر به أو مسوغاً يسوغ به الواقع الذي يعيشه ، أما الحقيقة -والله تعالى أعلم- أن الرجل إنما ارتد بسبب شهوة ما هذه الشهوة ؟ إنها شهوة العظمة، حتى إن هذا الرجل كان يقول في شعره : ولو أن ما عندي من العلم والفضلِ *** يوزّع في الآفاق أغنى عن الرسْلِ" نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة،، كم هي كثيرة قصص الانتكاسة الموجعة والتي تدفع المؤمن التقي لأن يضع يده على صدره توجّساً وخيفة من أن يدخله: عُجْبٌ يحبط عمله!! أو شهوةٌ تطمس قلبه!! أو شبهةٌ تطيش بعقله!! ومن صور الغفلة والعجب بالنفس والثقة بالعقل، أن يلقي المرء نفسه في المهلكات دون تورّع!! ومن أعظم الأحاديث في ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فإن الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينهما أمورٌ مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه) متفق عليه. استدل كثير من العلماء بهذا الحديث على إثبات قاعدة سدّ الذرائع،، وقال ابن الجوزي -رحمه الله-: "ما رأيت أعظم فتنة من مقاربة الفتنة، وقلَّ أن يقاربها إلا من يقع فيها، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه" فما بال أقوام أحرقوا سفن النجاة!؟ وأسلموا أنفسهم لأمواج الشهوات!؟ لتلقي بهم وتغرقهم في بحار الشبهات!؟ من أعظم الخذلان أن يصُرَف العبد حتى عن الدعاء بالثبات،، متناسياً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله الثبات في سجوده برغم أن الله قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر!! كما ورد في حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: كان أكثر دعائه صلى الله عليه وسلم (يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك) .رواه الترمذي وقال حديث حسن. اللهم يا مقلب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك،، اللهم ارزقنا حسن الخاتمة ،، اللهم ثبتنا فوق الأرض وثبتنا تحت الأرض وثبتنا عند العرض،، يا من وسع كرسيه السموات والأرض،، أمين بن بخيت الزهراني https://twitter.com/amin_alzahrani