الحكم على الشيئ فرع من تصوره, هذه القاعدة العظيمة لم تترك لأي ذي عقل ومنطق أن يتعدها إلى غيرها إلا إذا وجد الجهل أو الشبهة أو الشهوة في تفسير ماحدث وكيف جرت احداثه. بالطبع لن اتحدث عن هذه القاعدة ولكني بصدد الحديث عن ما حصل في إنفجار الغاز المسال في تقاطع خريص مع الشيخ جابر. الناس يتكلمون عن حريق او يتكلمون عن إنفجار أو كلاهما كان السبب في وفاة العديد من المواطنين وهي بلا شك النتيجة ولكن ماهية هذا الحريق وماهية الإنفجار وكيف حدث لا يعرف الكثير من الناس تفاصيل ما حصل وهذا ما سوف اشرحه في السطور القادمة. وهنا اريد أن اسهم في شرح ما حصل من حيث اني اعتبر هذا جزء من زكاة ما تعلمته في دراستي حيث كان لغاز البروبان المسال الذي انفجر في الرياض الفضل في حصولى على درجة الدكتوراة والذي يعتبر الوقود والبديل الوحيد لدينا التي تطهي عليه أم عبدالله وامثالها غداءها الشهي كل يوم. وهنا اريد ان اقول جملة مختصرة ملخصها أن في حياتنا الكثير من الأشياء التي تعتبر صديقة وهي تسير بيننا قنابل موقوته وهي عدوة لنا في نفس الوقت اذا جهلنا كنهها وكيفية التعامل معها خاصة إذا كشرت عن انيابها. لا اطيل واترككم مع شرح منطقي مباشر يمكن لأي شخص ان يفهمه ويتصوره فإلى هناك. الحقيقة العلمية الأولى: غاز البروبان اثقل من الهواء مرة ونصف اي انه اذا تسرب يبقى على سطح الأرض تحت الهواء. وهو عكس غاز الهيليم الذي يعتبر اخف من الهواء بحيث اذا ملئت منه بالونة طارت في السماء عالياً كما يحبه الأطفال. الحقيقة العلمية الثانية: أن غاز البروبان يحفظ مسال في حاوياته سواء في المنازل او ناقلاته بالطرق او في مخازنه المركزية. أي أنه يتحول من الحالة الغازية إلى السائلة بالضغط وهذه العملية عكس تبخر الماء مثلاً فالماء السائل يتحول إلى البخار بالتسخين ومن الممكن ان يضغط بنفس درجة حرارة الغليان ويعود سائلاً كما هي الحال في ضغط غاز البروبان. على كل حال فإن قاعدة الثيرموداينمك المعروفة (PV = nRT) توضح العلاقة بين الضغط والحرارة والحجم والدخول في شرح هذه القاعدة يطول. ويهمنا منها أن الغاز المسال يحتاج لحجم كبير اذا تحول إلى حالته الغازية بدرجة الهواء الخارجي وفي حالة غاز البروبان فإن المتر المكعب من الغاز المسال يحتاج إلى قرابة 270 متراً مكعباً في حالته الغازية تقريباً. ولو إفترضنا أن في صهريج "الحاوية المنقلبه" 10 متر مكعب فقط فإنه يحتاج إلى 2700 متر مكعب من الفراغ لإنتشاره بدرجة الحرارة العادية. اي يحتاج لحجم مخزن مساحة ارضه (30X30م = 900متر مربع بإرتفاع دور واحد 3 متر). وبلا شك حسب الحقيقة الأولى سيبقى متسللاً تحت الهواء وهذا يجعله يمتد بسرعة لمساحة كبيرة يطرد الهواء منها ليملاء الفراغ. الحقيقة العلمية الثالثة: أن أي شرارة تحرق طرفاً من هذا الغاز الممتد على مساحة كبيرة وبأي سبب كان ستحرق جميع هذا الغاز بلا شك وهو على شكل كتلة واحدة. وهنا تبدأ عملية الإنفجار والإحتراق في أنٍ واحد. الحقيقة العلمية الرابعة: أن احتراق البروبان يوصف بالمعادلة الكيميائية التالية: heat + C3H8 + 5O2 --- 3CO2 + 4H2O اي ان كل جزئي (او متر مكعب) من غاز البروبان يحتاج لخمسة جزيئات (5 متر مكعب) من غاز الاكسوجين لكي يكتمل إحتراقه. وهنا يحتاج هذا المخزن المتسلل والمنتشر بشكل عشوائي (2700 متر مكعب) تحت الهواء لكمية 24 ضعف من الهواء اي (64800 متر مكعب) أي أن المخزن الواحد من الغاز يحتاج إلى 24 مخزن من الهواء مماثلاً له. وهنا فإن الهواء المطرود سيرجع بشكل سريع جداً وبكثافة اكثر من الفضاء الخارجي ليسد حاجة الإشتعال وهنا نلاحظ تأثير كبس ضغط الهواء على الجسر من اعلى إلى اسفل وكذلك أثره على خلع ابواب السيارات, ثم إن مجموع حجم التفاعل البالغ حجم 25 مخزن بنفس المقاسات (2700 متر مكعب) سيتحول إلى حجم قدره 1.16 من الحجم المتفاعل وينتج بخار الماء العالي الحرارة وغاز ثاني اكسيد الكربون الحار ايضاً والمسبب للحروق البالغة في المواطنين. وهذا الناتج عن الإحتراق فيه زيادة حجم تساوي تقريباً 16% من مجموع الغاز والهواء المحترق وبفعل ذلك يتكون تياراً معاكساً سريعاً وهو المسؤول عن احداث صوت الإنفجار وخلخلة الجو المحيط بالحادث والمؤثر على المباني القريبة منه وخلخلة الجسر ايضاً حيث من الممكن ان يصعد الجزء الأعلى من الجسر ويهبط بسرعة محدثاً زيادة في تخلخل القواعد والأعمدة وتكسرها. الحقيقة العلمية الخامسة: حيث ان الغاز المسال المتسرب كثير ويحتاج لكمية هواء كبيرة تكفية لحصول الإحتراق الكامل فإنه من الممكن أن لايحدث الإحتراق الكامل الموصوف في بالمعادلة السابقة ويحدث احتراق جزئي وهو ما تصفه المعادلة الكيميائية التالية: 2C3H8 + 7 O2 → 2 CO2 + 2 CO + 2 C + 8 H2O + heat وهنا ينتج غاز أول اكسيد الكربون السام وهذا قد يحدث تسمم بالإضافة للإختناق لعدم وجود اكسجين كافي بعد الإحتراق مباشرة ولمدة دقائق معدودة. كما ان هذا التفاعل الأخير ينتج 55% زيادة في حجم الفراغ الناتج عن الإحتراق وهذا يجعل الإنفجار اشد والأثر اعمق. والأكيد ان خليط حدث من التفاعلين ونسبة حدوث التفاعل الأول أكبر بكثير من التفاعل الثاني بلا شك. إذاً ما حصل هو خليط من الإحتراق والتيارات الهوائية الشديدة السريعة المجذوبة لموقع الحادث ومركز الإنفجار والتيارات الهوائية شديدة الحرارة والسريعة المرتدة الناتجة عن الإحتراق وخلخلة الفراغ. وهنا يمكن دراسة نتائج واثار الدمار الذي حصل وفعل الرياح في نقله لجهة مبنى الزاهد. وتحليل كيفية تأثر مباني اخرى في موقع الحادث. ولزيادة معلومات القارئ فإن مستودعات الغاز المسال الرئيسة والتي تحتوي كميات كبيرة منه في مراكز التوزيع ستحدث ضرراً كبيراً وبالغاً إن حدث لها حادث او تعرضت لهجوم ارهابي او خارجي حمانا الله واياكم من كل سوء. كذلك يقودنا الحادث هذا لأهمية وجود علوم ومعارف خاصة بهندسة الإحتراق بين اعضاء منسوبي الدفاع المدني والمسؤولين عن السلامة والتي سوف تساعدهم بلا شك على فهم خصائص تلك المواد وتبعات احتراقها. وحيث اني مؤتمن على قول الصدق والحقيقة فقد باشرت اعمال "لجنة المخاطر الكيميائية في مدينة الرياض" يوم كنت اعمل في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بين عامي 1408و 1409ه وكٌلفنا بدراسة مصادر المخاطر في مدينة الرياض وكان عملنا بالتعاون مع قيادة الدفاع المدني بالرياض وجهات اخرى ذات علاقة, وتم اقتراح نظام مراقبة جغرافي يربط المواقع الخطرة بغرفة التحكم الرئيسة بالرياض بحيث يستفيد منها الدفاع المدني عند وقوع اي حادث بالقرب من تلك المواقع ويرشدهم لأهم الأعمال اللازم اتخاذها والإجراءات الإحترازية عند وقوع الحدث. كلي امل ان يكون الدفاع المدني الأن وبجميع مناطق المملكة بالمستوى المتصور والمخطط له قبل 20 عاماً وإن لم يكن كذلك فمتى ياترى؟. كما اسأل الله ان يحفظ هذا الوطن بلاد الخير والعطاء من كل مكروه. د. سليمان بن عبدالله المهنا أباالخيل استشاري الهندسة الكيميائية والمخاطر البيئية Email: [email protected]